قال صاحب الكشاف : والصمد فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو ـ سبحانه ـ المصمود إليه في الحوائج ، والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم ... (١).
وجاء لفظ «الصمد» محلى بأل ، لإفادة الحصر في الواقع ونفس الأمر ، فإن قصد الخلق إليه ـ سبحانه ـ في الحوائج ، أعم من القصد الإرادى ، والقصد الطبيعي ، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى ، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه ـ تعالى ـ طوعا وكرها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَمْ يَلِدْ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن أن يكون له ولد أو بنت ، لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه ، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لأن الولد من جنس أبيه ، وهو ـ تعالى ـ منزه عن مجانسة أحد.
وقوله : (وَلَمْ يُولَدْ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن أن يكون له أب أو أم ، لأن المولودية تقتضي ـ أيضا ـ التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لاقتضائها سبق العدم ، أو المجانسة ، وكل ذلك مستحيل عليه ـ تعالى ـ فهو ـ سبحانه ـ : (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن الشبيه والنظير والمماثل.
والكفؤ : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو في القدرة.
أى : ولم يكن أحد من خلقه مكافئا ولا مشاكلا ولا مناظرا له ـ تعالى ـ في ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، فهو كما قال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه.
فقد نفى ـ سبحانه ـ عن ذاته التعدد بقوله : (اللهُ أَحَدٌ) ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).
كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب ، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة ، الذين يقولون ، بالتثليث ، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله ـ تعالى ـ في ملكه.
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨١٨.