وبعضهم يرى أن «لا» في مثل هذا التركيب ليست مزيدة ، وإنما هي أصلية ، ويكون المقصود من الآية الكريمة ، بيان أن الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى قسم ، إذ كل عاقل عند ما يقرأ القرآن ، يعتقد أنه من عند الله.
ويكون المعنى : فلا أقسم بما تبصرونه من مخلوقات ، وبما لا تبصرونه .. لظهور الأمر واستغنائه عن القسم.
قال الشوكانى : قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) هذا رد لكلام المشركين ، كأنه قال : ليس الأمر كما تقولون. و «لا» زائدة والتقدير : فأقسم بما تشاهدونه وبما لا تشاهدونه.
وقيل إن «لا» ليست زائدة ، بل هي لنفى القسم ، أى : لا أحتاج إلى قسم لوضوح الحق في ذلك. والأول أولى (١).
وتأكيد قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) بإنّ وباللام ، للرد على المشركين الذين قالوا عن القرآن الكريم : أساطير الأولين.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذا التأكيد تأكيدات أخرى فقال : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ ، قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).
والشاعر : هو من يقول الشعر. والكاهن : هو من يتعاطى الكهانة عن طريق الزعم بأنه يعلم الغيب.
وانتصب «قليلا» في الموضعين على أنه صفة لمصدر محذوف ، و «ما» مزيدة لتأكيد القلة.
والمراد بالقلة في الموضعين انتفاء الإيمان منهم أصلا أو أن المراد بالقلة : إيمانهم اليسير ، كإيمانهم بأن الله هو الذي خلقهم ، مع إشراكهم معه آلهة أخرى في العبادة.
أى : ليس القرآن الكريم بقول شاعر ، ولا بقول كاهن ، وإنما هو تنزيل من رب العالمين ، على قلب نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم لكي يبلغه إليكم ، ولكي يخرجكم بواسطته من ظلمات الكفر ، إلى نور الإيمان.
ولكنكم ـ أيها الكافرون ـ لا إيمان عندكم أصلا ، أو قليلا ما تؤمنون بالحق ، وقليلا ما تتذكرونه وتتعظون به.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٢٨٥.