وقوله ـ سبحانه ـ (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) معطوف على قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ).
أى : إن هذا القرآن لقول رسول كريم بلغه عن الله ـ تعالى ـ وإنه لتذكير وإرشاد لأهل التقوى ، لأنهم هم المنتفعون بهداياته.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) تبكيت وتوبيخ لهؤلاء الكافرين ، الذين جحدوا الحق بعد أن تبين لهم أنه حق.
أى : وإنا لا يخفى علينا أن منكم ـ أيها الكافرون ـ من هو مكذب للحق عن جحود وعناد ، ولكن هذا لن يمنعنا من إرسال رسولنا بهذا الدين لكي يبلغه إليكم ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وسنجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) بيان لما يكون عليه الكافرون من ندم شديد ، عند ما يرون حسن مصير المؤمنين ، وسوء مصير المكذبين.
والحسرة : هي الندم الشديد المتكرر ، على أمر نافع قد مضى ولا يمكن تداركه.
أى : وإن هذا القرآن الكريم ، ليكون يوم القيامة ، سبب حسرة شديدة وندامة عظيمة ، على الكافرين ، لأنهم يرون المؤمنين به في هذا اليوم في نعيم مقيم ، أما هم فيجدون أنفسهم في عذاب أليم.
وقوله : (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) معطوف على ما قبله ، أى : وإن هذا القرآن لهو الحق الثابت الذي لا شك في كونه من عند الله ـ تعالى ـ وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد بلغه إلى الناس دون أن يزيد فيه حرفا ، أو ينقص منه حرفا.
وإضافة الحق إلى اليقين ، من إضافة الصفة إلى الموصوف. أى : لهو اليقين الحق ، أو هو من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين ، كما في قوله : (حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، إذ الحبل هو الوريد.
والمقصود من مثل هذا التركيب : التأكيد.
وقد قالوا : إن مراتب العلم ثلاثة : أعلاها : حق اليقين ، ويليها : عين اليقين ، ويليها : علم اليقين.
فحق اليقين : كعلم الإنسان بالموت عند نزوله به ، وبلوغ الروح الحلقوم. وعين اليقين : كعلمه به عند حلول أماراته وعلاماته الدالة على قربه .. وعلم اليقين : كعلمه بأن الموت سينزل به لا محالة مهما طال الأجل .. والفاء في قوله ـ تعالى ـ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ