امرأة عمران ، وكل هؤلاء من بنى إسرائيل ، ولا يمكن أن يعلمه الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا بوحى إلهى ، وهذا ولا شك دليل على بنى إسرائيل ، وإلزام لهم بالحجة التى لا يستطيعون ردها ، وبيان ذلك أن إخباره صلىاللهعليهوسلم بهذه الأنباء ، وهى معلومة عندهم وحاصلة لديهم على الوجه المطابق للواقع من دلائل صدقه فى دعوى النبوة ، بناء على أن الإخبار بالشىء على الوجه المطابق للواقع يتوقف على العلم به ، وطريق العلم منحصر فى :
١ ـ المشاهدة.
٢ ـ الاستماع من أهل العلم وقراءة أسفارهم.
٣ ـ الوحى.
وأن ما عدا الوحى من طريق العلم منتف عنه صلىاللهعليهوسلم ، فتعين أنه ، عليهالسلام ، إنما أخبر بتلك الأنباء بالوحى ، وأنه نبي حقا ، ثم إنه تعالى لم ينف من طريق العلم فى الآية الكريمة ، إلا أنه صلىاللهعليهوسلم لم يشاهد هذه الوقائع كما يصرح به قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ...) [آل عمران : ٤٤] إلخ ، وفى ظاهر الحال أنه لا حاجة إلى نفى المشاهدة لكون انتفائها معلوما قطعا ؛ لأن مشاهدة الإنسان ما سبق على وجوده سبقا زمانيا مستحيلة ، واستحالتها معلومة لكل أحد ، بخلاف الاستماع من أهل العلم وأصحاب التواريخ ، فإنه وإن كان منفيا فى نفس الأمر أيضا كانتفاء المشاهدة ، إلا أنه متوهم وليس استحالته كاستحالة المشاهدة ، فالتصريح بنفى ما لا حاجة إلى نفيه ، وترك التعرض بنفى ما ينبغى التعرض بنفيه خلاف مقتضى الظاهر ، فما الوجه؟
قال العلماء فى تحقيق ذلك : إن الآية صرحت بنفى المشاهدة مع عدم الحاجة إليه ، وتركت التعرض بنفى السماع ، مع أن العقل يجوزه فى الجملة لنكتة ، وهى التهكم باليهود المنكرين لنبوته صلىاللهعليهوسلم ؛ ولأن يوحى إليه. وطريق التهكم أن العلم منحصر فى الثلاثة المذكورة لا محالة ، وأنهم ينكرون الوحى إليه ، ويعترفون أيضا بأنه صلىاللهعليهوسلم ليس من أهل السماع ، وقراءة كتب التواريخ للقطع بأنه ، عليهالسلام ، لم يخالط أهل الكتاب ، ولم يصاحب منهم أحدا ، فلم يبق من طريق العلم فى حقه صلىاللهعليهوسلم إلا مشاهدة ما أخبر به من الوقائع ، وذلك أنهم كما ينكرون الوحى إليه صلىاللهعليهوسلم مع اعترافهم له بأنه لم يصاحب أحدا من أهل الكتاب ، فإذا نفت الآية المشاهدة ، وانتفاؤها معلوم قطعا ويقينا عند كل أحد ، كان المقصود التهكم بمنكر الوحى ، كأنه قيل لهم : أيها المنكرون ، أن يوحى إليه صلىاللهعليهوسلم