والمتهمون له فى دعوى نبوته ليس لكم سبب فى اتهامكم سوى أنكم تجوزون أن يكون إخباره صلىاللهعليهوسلم بذلك مبنيا على مشاهدته ومعاينته ذلك ، وأنه غاية فى السفاهة ، ونهاية الجنون والجهالة ، ومن أضل ممن عدل عن الاحتمال الثابت بالمعجزات القاطعة والبراهين القطعية ، وهو أنه صلىاللهعليهوسلم يوحى إليه إلى احتمال لا يذهب إليه وهم أحد ، وهو أنه صلىاللهعليهوسلم أخبر عن هذه الحقائق بالمشاهدة.
محاجة القرآن للنصارى فى عبادة عيسى :
قال الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩] الآية.
سبب النزول :
روى أن وفد نصارى نجران جادلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : ما لك تشتم صاحبنا ، قال : «وما أقول؟» ، قالوا : تقول : إنه عبد الله ورسوله ، قال : «أجل ، إنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» ، فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ، فإن كنت صادقا فأرنا مثله ، فنزل قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩].
كأنهم قالوا : يا محمد ، لما سلمت أنه لا أب له من البشر ، وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى ، فقال : إن آدم ما كان له أب ولا أم ، ولم يلزم من ذلك أن يكون أبوه هو الله تعالى ، وأن يكون هو ابنا له تعالى ، فكذا القول فى عيسى ، عليه الصلاة والسلام.
ولعله من الواضح بعد بيان هذه المشابهة الواقعة بين عيسى وآدم ، عليهمالسلام ، أن تبطل شبهتهم فى قولهم فى عيسى : إنه ابن الله تعالى ، وعليهم بمقتضى هذا أن ينزلوا عن اعتقادهم فى بنوة عيسى ، وأنه ابن الله تعالى ، ولم يستطيعوا أن يفروا من هذا أبدا ، اللهم إلا ما كان من عنادهم واستكبارهم.
آية المباهلة :
ثم قال تعالى زيادة فى الإلزام وتأكيدا لإظهار الحجة عليهم : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [آل عمران : ٦١] ، المراد بالعلم