رضى الله تعالى عنهم ، وهو صلىاللهعليهوسلم يقول لهم : «إذا أنا دعوت فأمنوا».
فقال أسقف نجران ، وهو اسم سريانى لرئيس النصارى وعالمهم ، وهو غير العاقب : يا معشر النصارى ، إنى لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانى إلى يوم القيامة.
فقالوا : يا أيا القاسم ، رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على دينك ، ونثبت على ديننا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم» ، فأبوا ، فقال : «إنى أنابذكم» ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا ، على أن نؤدى إليك كل عام ألفى حلة ، ألف فى صفر ، وألف فى رجب ، نؤديها للمسلمين ، وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يؤدوها ، فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، وقال : «والذى نفسى بيده ، إن العذاب تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضرم عليهم الوادى نارا ، ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله ، حتى الطير على رءوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى حتى هلكوا كلهم».
وجاء فى بعض الروايات عن عائشة ، رضى الله عنها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم علىّ ، رضى الله عنهم ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) [الأحزاب : ٣٣] ، وفى ذلك دليل على نبوته صلىاللهعليهوسلم ، وعلى فضل أهل الكساء ، رضى الله تعالى عنهم ، وعن بقية الصحابة أجمعين.
نعم انقطعوا عن المباهلة وخافوها ، ولم يجرءوا بعد مشاورة أهل الرأى فيهم على الدخول فى ساحتها ، وذلك أعظم دليل ملزم وقاطع لشبههم ، وإلا فما كان أسهل عليهم وأيسر لهم أن يلاعنوا ويقولوا فى تضرع : لعنة الله على الكاذبين منا ومنكم بأمر عيسى.
قال بعض العلماء : فإن قيل : الأولاد إذا كانوا صغارا لم يجز نزول العذاب بهم ، وقد ورد فى الخبر أنه صلىاللهعليهوسلم أدخل فى المباهلة الحسن والحسين ، رضى الله عنهما ، فما الفائدة؟
والجواب : أن عادة الله تعالى جارية بأن عقوبة الاستئصال إذا نزلت بقوم هلك معهم