بالقرآن ، وحقد على من جاء به ، وقد سماهم الله تعالى كافرين ، حيث لم يؤمنوا به ، وقد نهى النبى صلىاللهعليهوسلم عن أن يحزن على كفرهم ، ففي المؤمنين مندوحة عنهم وغناء ، أى غناء له صلىاللهعليهوسلم ، يعنى فهم كفار بمقتضى هذه الآية القرآنية وغيرها من النصوص القرآنية الأخرى التى ذكرنا بعضها سابقا ، وما داموا كذلك ، فليس لهم فى الآخرة أدنى نصيب من رحمة الله تعالى.
رابعا : ويؤكد هذا ويوضحه ويزيده بيانا ما جاء فى قوله جل جلاله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٦ ـ ١٥٨].
قال العلماء : هذا النص من أبين الأدلة على عموم رسالته صلىاللهعليهوسلم وشمولها لكل الطوائف وجميع الأجناس على تباين مذاهبها واختلاف نحلها.
ونسوق تفسير هذا النص ، وبيان ما فيه من عظيم الفوائد ، وجليل المنافع ، الأمر الذى هو موضوع بحثنا ، ومرتبط به أتم الارتباط ، فقوله سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) سيق هذا الكلام جوابا لدعاء سيدنا موسى فى قوله قبل ذلك : (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٥٥ ، ١٥٦].
فجاء قوله تعالى بعد ذلك : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، فقوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، أى من خلقى فى الدنيا ، ما من مسلم ، ولا كافر ، ولا مطيع ، ولا عاص ، إلا وهو متقلب فى نعمتى ، وهذا معنى حديث أبى هريرة فى الصحيحين : «إن رحمتى سبقت غضبى» ، وفى رواية : «غلبت غضبى» ، وأما فى الآخرة ، فقال تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) وخصها بالذكر لنفعها المتعدى ، ولأنها كانت أشق عليهم.
روى أنه لما أنزل : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) قال إبليس : أنا من ذلك الشيء ، فقال تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) ، ولا