ولذلك اتبعه (الَّذِي يَجِدُونَهُ) أى علماء اليهود (مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) باسمه ونعته ، ولكنهم كتموا ذلك وبدلوه وغيروه حسدا منهم وخوفا على زوال رياستهم ، وقد حصل لهم ما كانوا يخافونه ، فقد زالت رياستهم ووقعوا فى الذل والهوان.
وقوله تعالى : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) يجوز أن يكون استئنافا ، ويجوز أن يكون المعنى يجدونه مكتوبا عندهم أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ... إلخ ، ويحتمل أن يكون متعلقا ب (يَجِدُونَهُ) فى موضع حال على تجوز ، أى يجدونه فى التوراة آمرا بشرط وجوده.
حقيقة المعروف والمنكر :
المعروف ما عرف بالشرع ، وكل معروف من جهة المروءة فهو معروف بالشرع ، والمنكر مقابله. قال الرازى : ومجامع المعروف فى قوله صلىاللهعليهوسلم : «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» ، وذلك لأن الموجود إما واجب الوجود لذاته ، وإما ممكن لذاته.
أما الواجب لذاته : فهو الله تعالى ، لا معروف أشرف من تعظيمه ، وإظهار الخشوع ، والخضوع على باب عزته ، والاعتراف بكونه موصوفا بصفات الكمال ، مبرءا عن النقصان والآفات ، منزها عن الأنداد والأضداد.
وأما الممكن لذاته : فإن لم يكن حيوانا ، فلا سبيل إلى ايصال الخير إليه ؛ لأن الانتفاع مشروط بالحياة ، ومع ذلك فإنه يجب النظر إلى كلها بعين التعظيم من حيث إنها مخلوقة لله ، ومن حيث إن كل ذرة من ذرات المخلوقات لما كانت دليلا ظاهرا ، وبرهانا باهرا على توحيده وتنزيهه ، فإنه يجب النظر إليه بعين الاحترام ، ومن حيث إن لله سبحانه وتعالى فى كل ذرة من ذرات المخلوقات أسرارا عجيبة وحكما خفية ، فيجب النظر إليها بعين الاحترام.
وأما إن كان المخلوق من جنس الحيوان ، فإنه يجب الشفقة عليه بأقصى ما يقدر الإنسان عليه ، ويدخل فيه بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وبث المعروف ، فيثبت أن قوله صلىاللهعليهوسلم : «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» ، كلمة جامعة لجميع جهات الأمر بالمعروف. ولا شك أن المنكر هو ضد الأمور المذكورة.
قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أى ما حرّم عليهم فى شرعهم ، كالشحوم ،