ويحرّم عليهم الخبائث ، أى كالدم ، ولحم الخنزير ، والربا ، (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) ، أى ثقلهم الذى كان يحمل عليهم ، (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) من الدين والشريعة ، وذلك مثل قتل النفس فى التوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة من البدن ، والثوب بالمقراض ، وغير ذلك من الشدائد التى كانت على بنى إسرائيل ، شبهت بالأغلال التى تجمع اليد إلى العنق ، كما أن اليد لا تمتد مع وجود الغل ، فكذلك لا تمتد على الحرام الذى نهيت عنه ، وكانت هذه الأثقال فى شريعة موسى ، عليهالسلام ، فلما جاء محمد صلىاللهعليهوسلم نسخ ذلك كله ، ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بالحنفية السهلة السمحة».
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) أى بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَعَزَّرُوهُ) أى وقّروه وعظموه ، وأصل التعزير المنع والنصرة ، وتعزير النبى صلىاللهعليهوسلم تعظيمه ، وإجلاله ، ودفع الأعداء عنه ، (وَنَصَرُوهُ) على أعدائه (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أى القرآن ، سمى نورا لأنه به تستنير قلوب المؤمنين ، فتخرج من ظلمات الشك والجهالة إلى ضياء اليقين والعلم.
ولا يقال : إن القرآن ما أنزل مع شخص محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإنما نزل مع جبريل. لأنا نقول : معناه لأنه أنزل مع شخصه صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن نبوّته ظهرت مع ظهور القرآن ، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات ، قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، أى الفائزون بالمطلوب فى الدنيا والآخرة.
عموم الدعوة الإسلامية :
وقوله سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ، هذا أمر الله تعالى لنبيه بإشهار دعوته ، وهذه من خصائصه صلىاللهعليهوسلم من بين سائر الرسل ، فإنه صلىاللهعليهوسلم بعث إلى الناس كافة ، وإلى الجن عامة ، وكل نبى بعث إلى قومه خاصة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى : أرسلت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت على عدوى بالرعب منى مسيرة شهر ، وأطعمت الغنيمة دون من قبلى ، وقيل لى : سل تعطه ، واختبأت شفاعتى لأمتى».
فإن قيل : كان آدم ، عليهالسلام ، مبعوثا إلى جميع أولاده ، ونوح لما خرج من السفينة كان مبعوثا إلى الذين كانوا معه ، مع أن جميع الناس فى ذلك الزمان ما كانوا إلا ذلك القوم. أجيب بأن ذلك لم يكن لعموم رسالتهما ، بل للحصر المذكور ، فليس ذلك من باب عموم الرسالة.