ولكن البر ما فى هذه الآية. وبعضهم عمها فى المسلمين وأهل الكتابين ، أى ليس البر مقصورا بأمر القبلة.
ومقصودنا من هذه الآية لا يختلف على أى قول من الأقوال كما قدمنا آنفا. كذلك جاء فى آخر هذه السورة قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ).
فهذه دلائل صادقة وبراهين قوية دامغة على ما قلناه فى بيان حقيقة الإيمان المنجى ، من أخل بجزئية من هذه الحقيقة ، فإيمانه غير صحيح ولا معتبر شرعا ، بمعنى أن من فرّق فى إيمانه بين كتاب وكتاب ، أو رسول ورسول ، أو ما إلى ذلك ، فهو كافر.
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [النساء : ١٥٠ ، ١٥١]. وقال حكاية عن اليهود خاصة : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] ، إلى أن قال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١].
فالفروق التى ذكرها الكاتب فى كلامه الذى ذكرناه قبل لا تؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ولا بقرآنه ، فهى كافرة بمقتضى هذه النصوص القرآنية ، وما دامت كافرة فلن يقبل الله تعالى لها عملا عنده فى دار البقاء ، قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) [إبراهيم : ١٨] ، يعنى : فكل عمل طيب يصدر عن الكافر من صدقة ، وصلة رحم ، وفك أسير ، وإقراء ضيف ، وبر والد ، فى عدم الانتفاع به ، كرماد اشتدت به الريح ، فلم تبق له عينا ولا أثرا ، فهم لا يجدون لهذا العمل ثوابا عند الله تعالى لفقد شرطه ، وهو الإيمان الصحيح ، وقال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ، يعنى قصدنا إلى أعمالهم التى عملوها من مكارم الأخلاق ، كالجود ، وإغاثة الملهوف ، ونحو ذلك ، (فَجَعَلْناهُ) ، لكونها لم تؤسس على الإيمان ، (هَباءً) وهو ما يرى من شعاع الشمس الداخل من كوة مما يشبه الغبار