سبحانه : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون : ١٤].
فإن العطف فى هذه المواضع الثلاثة كان بالفاء ؛ لأن المعطوف فيها ليس ببعيد ولا غريب عن المعطوف عليه ، وحينئذ فلا يعترض بما قيل : إن مدة كل طور أربعون يوما ، وذلك يقتضى عطف الجميع بكلمة «ثم» إن نظر لآخر المدة وأولها ، أو يقتضى العطف بالفاء إن نظر لآخرها فقط.
ووجه دفع الاعتراض ظاهر مما قدمنا ، وهو أن المتعاطفات بكلمة «ثم» بينها غاية البعد العقلى ، فنزل منزلة البعد الحسى الزمنى ، وكان العطف ب «ثم» بخلاف المتعاطفات بالفاء ، فلم يكن بينها هذا البعد العقلى ، وإن كان بينها مطلق بعد ، فجاءت الفاء على أصلها ووضعها للترتيب والتعقيب.
(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ، أى تنزه عن كل شائبة ونقص ، وحاز جميع صفات الكمال ، والمراد بالخالقين المقدرين ، أى الصانعين ، يقال لمن صنع شيئا : خلقه ، إذا الخلق معناه إيجاد الشيء بتقدير معين ووضع مخصوص ، فيقال لصانع الباب أو الكرسى مثلا : إنه خلقه ، أى أوجده على شكل مخصوص وهندسة معينة ، فكلمة الخلق لا تنفى عن البشر بمعنى الصنع ، وإنما هى منفية عنهم بمعنى الاختراع ، والإيجاد من العدم ، فليس ذلك إلا لله الواحد القهار.
روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية ، فلما بلغ قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون : ١٤] ، قال عمر ، رضى الله عنه : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤].
وروى أن عبد الله بن سعد بن أبى السرح كان يكتب لرسول الله ، صلوات الله وسلامه عليه ، فنطق بذلك قبل إملائه ، فقال له الرسول صلىاللهعليهوسلم : «اكتب ، هكذا نزلت» ، فقال عبد الله : إن كان محمد نبيا يوحى إليه ، فأنا نبى يوحى إلىّ ، فلحق بمكة كافرا ، ثم أسلم يوم الفتح (١).
نظائر لهذه الآية : لهذه الآية فى إيرادها المعنى السابق أشباه ونظائر من آى القرآن الكريم ، جاءت بهذا المعنى بأساليب مختلفة ، وجميع هذه الأساليب فى أعلى درجات الإعجاز ، وتلك خصيصة القرآن ، يأتى بالمعنى الواحد فى عدة مواضع بأساليب مختلفة ،
__________________
(١) هذه الرواية ضعيفة ؛ لأن السورة مكية.