يشاهدون بالحس ويرون بالعين ، كان الاستدلال برفع السموات بغير عمد ، وتسخير الشمس والقمر ، وغير ذلك بما سيأتى أدخل فى بيان المراد ، والزام لهم مما لا يشاهدونه ، وإن كان فى خلق السموات والأرض ذاته دليل من غير شك على وجود الصانع سبحانه لمن عنده عقل صحيح خال من الشوائب والكدورات.
ولما ذكر تعالى دلائل وحدانيته ، وكمال قدرته من رفع السماء بغير عمد ، وأحوال الشمس والقمر ، أردفها بذكر الدلائل الأرضية كما يأتى.
الدليل الثالث : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) [الرعد : ٣] :
والمعنى أنه سبحانه بسط الأرض طولا وعرضا ؛ لتثبت عليها الأقدام ، ويتقلب عليها الحيوان ، ووجه الاستدلال بامتداد الأرض أن كونها ممدودة ، أى ذات امتداد من الطول والعرض والعمق على قدر معين ، مع جواز كونها أزيد مقدارا مما هى عليه الآن ، أو أنقض منه ، لا بدّ له من مخصص كما تقدم ، ومد الأرض لا ينافى كونها كرة ؛ لأن الكرة إذا كانت فى غاية الكبر ، كانت كل قطعة منها تشاهد كالسطح.
الدليل الرابع : قوله جل شأنه : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) [الرعد : ٣] :
أى أنه سبحانه خلق فى الأرض جبالا ثوابت باقية فى حيزها ، غير متنقلة ، لا تتحرك ولا يتحرك ما هى راسية فيه ، وهذا لا يكون إلا بتخليق القادر الحكيم ، فضلا عن أن حصولها فى بعض جوانب الأرض دون البعض الآخر ، مع أن طبيعة الأرض واحدة ، لا بدّ أن يكون بتخصيص الفاعل المختار.
الدليل الخامس : قوله سبحانه : (وَأَنْهاراً) [الرعد : ٣] :
أى وجعل فى الأرض أنهارا جارية لمنافع الخلق ، والنهر هو المجرى الواسع من مجارى الماء ، وأصله الاتساع ، ومنه النهار ؛ لاتساع ضوئه. فمن ذا الذى هيأها لهذا النفع الدائم المتواصل للخلائق كلهم من إنسان ، وحيوان ، ودواب ، وهوام ، إنه ليس إلا الله الذى خلق كل شىء فقدره تقديرا.
ثم إن فوائد المجارى المائية كثيرة ، وصدق الله العظيم إذ يقول : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [فاطر : ١٢].