الدليل السادس : قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣] :
أى جعل فى الأرض من جميع أنواع الثمار صنفين اثنين ، والاختلاف إما من حيث الطعم ، كالحلو والحامض ، أو اللون ، كالأسود والأبيض ، أو الحجم ، كالصغير والكبير ، أو الطبيعة ، كالحار والبارد ، وتوضيح ذلك وبيانه أن الحبة إذا وقعت فى الأرض نبتت وربت ، وبسبب ذلك ينشق أعلاها وأسفلها ، فيخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة ، ويخرج من الشق الأسفل العروق الغائصة ، وهذا من جانب العجائب ؛ لأن طبيعة الحبة واحدة ، وتأثير الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد ، ثم إنه خرج من أحد جانبى تلك الحبة جرم صاعد إلى الهواء ، ومن الجانب الآخر جرم غائص فى الأرض ، ومن المحال أن يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان ، فعلمنا أن ذلك إنما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم.
ثم إن الشجرة النابتة يكون بعضها خشبا ، وبعضها نورة (١) ، وبعضها ثمرة ، وتلك الثمرة يحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع ، فالجوز مثلا له أربعة أنواع من القشور ، قشره الأعلى ، وتحته القشرة الخشبية ، وتحته القشرة المحيطة باللب ، وتحت هذه القشرة قشرة أخرى فى غاية الدقة تمتاز عما فوقها ، وأيضا فقد يحصل من الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة ، فالعنب مثلا قشره وعجمه باردان يابسان ، ولحمه وماؤه حاران رطبان ، فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوى تأثيرات الطبائع وتأثيرات الأنجم والأفلاك لا بدّ وأن يكون بتدبير العليم الحكيم.
الدليل السابع : قوله جل شأنه : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الرعد : ٣] :
أى يغطى الليل بظلمته النهار ، وكذلك يغطى النهار بضوئه الليل ، فيستدل بفعلهما على ما قدره الله تعالى لهما فى السير من الزيادة والنقصان ، وقد تقدم لذلك مزيد إيضاح فى آية الليل والنهار ، ولما كان غشيان الليل النهار ظاهرة تظهر للناس على سطح الأرض وينتفعون بها فى معاشهم ، عدت من الأدلة الأرضية.
الدليل الثامن : قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) [الرعد : ٤] :
ذكر تعالى دليلا آخر ظاهرا جدا ، وهو أن الأرض التى أنتم سكانها (قِطَعٌ) بقاع
__________________
(١) النورة : الزهرة.