حزب : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) [البقرة : ١٤٢] ، فتارة دعاهم بالملاطفة ، وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم كما بينا ، وتارة بتوبيخهم على سوء أعمالهم وذكر عقوبتهم التى عاقبهم بها ، وكان فى ذكر هذا كله وإيضاحه وتفصيله على لسان نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو النبى الأمى الذى لم يقرأ ، ولم يكتب ، ولم يخالط أحدا ممن له دراية بالقراءة والكتابة ، أصدق شاهد وأكبر برهان على نبوّته صلىاللهعليهوسلم وصحة دعوته لهم ولغيرهم ، وعلى وجوب الانضواء تحت لوائه ، والتصديق بما جاء به.
قال سيدى عبد الرحمن الثعالبى الجزائرى فى تفسيره المرسوم بالجواهر الحسان فى تفسير القرآن ما نصه : قال الطبرى : وفى إخبار القرآن على لسان النبى صلىاللهعليهوسلم بهذه المغيبات التى لم تكن من علم العرب ، ولا وقعت إلا فى خفى علم بنى إسرائيل دليل واضح عند بنى إسرائيل وقائم عليهم بنبوّة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
تصديق القرآن لما سبقة :
ولنتكلم على قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] ، اندرج الأمر بالإيمان بالقرآن فى قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) [البقرة : ٤٠] فى الآية قبل ، إلا أنه أفرد الأمر به على طريق عطف الخاص على العام ، تنبيها على شرفه من حيث إنه طاعة مقصودة فى نفسها ، متعبدة بذاتها ، لا تتوقف صحته واعتباره على شىء آخر من الطاعات ، بل هو عمدة يعتمد عليه سائر الطاعات ، وبه اعتبارها ، وأنها من فروعه وثمراته. ولما كان أصلا مقصودا بالذات من التكليف ، ورعاية الوفاء بالعهود ، صار كأنه أمر مغاير للعهود المأمور بإيفائها.
وقوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) ، وجه تصديقه لما معهم من الكتب من حيث إنه نازل حسبما نعت فيها ، أو مطابق لها فى الدعاء إلى التوحيد ، والأمر بالعبادة ، والعدل بين الناس ، والنهى عن المعاصى والفواحش ، وغير ذلك من الأمور التى لا تتبدل باختلاف الأمم والأديان ، فلا يجرى فيها النسخ ، فهو مصدق لها فى هذه الأمور ، ومصدق لها كذلك فيما يخالفها من جزئيات الأحكام وفروعها بسبب اقتضاء مصلحة كل قوم وزمانهم ، من حيث إن كل واحدة منها حق بالنسبة إلى زمانها ، ومنسوخة عند انقضاء زمانها ، فالجزئيات المخالفة بحسب الزمان كحل فعل ما ، وحرمته متطابقة من حيث إن كل واحدة منها حق تقتضيه مصلحة كل قوم وزمانهم.