قال الإمام زادة (١) : قال الراغب : لا منافاة بين ما أتى به الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، من أصول العبادات ، وأنهم كنفس واحدة ، من حيث إنه يتساوى دعاؤهم إلى التوحيد والأركان الثلاثة من الشرائع ، التى هى العبادات الخمس ، وأحكام الحلال والحرام ، والمزاجر ، وإنما الاختلاف بينهم فى جزئيات الأحكام وفروعها ، كيفما تقتضيه مصلحة كل قوم وزمانهم ، فكل نبى مصدق للآخر فيما أتى به ، من حيث إن كليات شرائعهم متساوية ، وأن فروعها حق بالإضافة إلى زمان كل واحد منهم وأمته ، حتى لو كان أحدهم فى زمن الآخر لم ير المصلحة إلا فيما أتى به الآخر ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم فى حق موسى بن عمران : «ما وسعه إلا اتباعى» ، فعلى هذا وإن كانت فى القرآن أحكام جزئية مخالفة لما فى الزمان الأول والكتب السابقة صورة ، فإنها موافقة من حيث إن كل واحد منها مقتضى الحكمة والمصلحة ، فظهر من هذا أن المنسوخ موافق للناسخ حقيقة ، من حيث إن كل واحد منها مقتضى الحكمة. أ. ه.
والحديث المشار إليه نصه : «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى» ، وقد رواه الإمام أحمد فى مسنده ، كما ذكره الخطيب الشربينى فى تفسيره ، فما دام القرآن الكريم مصدقا للكتب السماوية ، فاتباع هذه الكتب لا ينافى الإيمان بالقرآن ، بل يوجب الإيمان به ؛ لكونه مطابقا لها ومصدقا ، ولذلك قال جل شأنه : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] ، فالمقصود به تأكيد الأمر بالإيمان به ، وتقوية لإيجابه ، كأنه قيل : آمنوا بما أنزلت ، بل كان الواجب عليكم أن تكونوا أول من آمن به ، لكونه مصدقا لما معهم من الكتب المنزلة عليهم ، وواجب عليهم اتباع ما يطابقها بعد الاعتقاد بحقيقته وحقيقة ما فيه من الأحكام ، وإلا لم يكونوا معتقدين بحقيقة كتابهم ومتبعين إياه.
وقد عرف أهل الكتاب موافقة القرآن الكريم لكتبهم ، حيث لم يتكلفوا جمع القرآن إلى كتبهم ، ومقابلة البعض بالبعض ، ولو كان مخالفا لهم فى زعمهم لفعلوا ذلك حتى يظهر الخلاف ، فيظهر كذبه ، عليه الصلاة والسلام ، فى قوله : إن القرآن منزل عليه ، فينجوا من تعرضه لها ، فلما لم يفعلوا ، دل ذلك على أنهم عرفوا أن القرآن موافق لكتبهم.
نعم عليهم أن يكونوا أول من آمن به ؛ لما تقدم من مطابقة القرآن الكريم لما معهم ، ولأنهم كانوا أهل نظر فى معجزاته صلىاللهعليهوسلم ، والعلم بنشأته ؛ لأنه قد مرّ أن الخطاب فى
__________________
(١) حواشى زاده على البيضاوى.