قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٤٠] لعلماء أهل الكتاب ، فهم أهل النظر والاستدلال بخلاف المشركين وجهلة أهل الكتاب ، فإنهم ليسوا مثل هؤلاء العلماء فى أهلية النظر والاستدلال ، وكانوا يستفتحون على الذين كفروا ، أى يطلبون الفتح والنصرة على المشركين ، ويقولون : قد آن بعث النبى الأمى الذى نجده فى التوراة والإنجيل ، فإذا بعث فنحن نؤمن به أول الناس كلهم ونقاتلكم معه ، وهو ما يصرح به قوله سبحانه : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] ، كما أنهم كانوا يبشرون العرب بزمانه صلىاللهعليهوسلم ، ويقولون : قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا من طلب الاستفتاح والنصر ، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فهذه الأمور تقتضى أن يكونوا أول من آمن بالقرآن ، وبواسطة اقتضائها يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل المشركين والجهلة منهم.
تبديل اليهود لآيات الله :
وقوله سبحانه : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١] ، اختلف فى الثمن الذى نهوا أن يشتروه بالآيات ، فقالت طائفة : إن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة ، فنهوا عن ذلك ، وقيل : كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم ، وقال قوم : إن الأحبار أخذوا رشى من الحكام على تغيير صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال قوم : معنى الآية لا تشتروا بأوامرى ونواهى وآياتى ثمنا قليلا ، يعنى الدنيا ومدتها ، والعيش الذى هو نزر لا خطر له ، وهذا القول الأخير هو الأليق ، فإن معناه أنهم كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم حقدا ، وحسدا ، وجحدا ، وعنادا.
كفروا به مخافة أن يفوتهم ما هم فيه من رئاسة ، وسيطرة على العامة ، يعنى غرتهم الدنيا ، ومالت بهم عن الحق الواضح والصراط المستقيم ، نعم لو ثبت أنهم كانوا يأخذون الرشوة ، أو كانت لهم مآكل على العامة ، أو كانوا يأخذون على تعليم التوراة أجرا وهم منهيون عن ذلك ، وجب المصير إليه ، وإلا فالقول الأخير أوفق وأحكم كما تقدم ، ولذلك قال بعض الأئمة : واعلم أن هذا النهى صحيح ، سواء كان فيهم من فعل ذلك أو لم يكن ، بل لو ثبت أن علماءهم كانوا يأخذون الرشى على كتمان أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم وتحريف ما يدل على ذلك كان الكلام أبين.