أي استهزءوا وجعلوا (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي : قل يا محمد جعلتم له شركاء فسموهم من هم؟ وفي هذا تبكيت لهم وتوبيخ ، لأنه إنما يقال هكذا في الشيء المستحقر الذي لا يستحقّ أن يلتفت إليه ، فيقال : سمّه إن شئت ، يعني أنه أحقر من أن يسمى ؛ وقيل : إن المعنى سمّوهم بالآلهة كما تزعمون ، فيكون ذلك تهديدا لهم (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) أي : بل أتنبئون الله (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما في السموات والأرض (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن تكون له حقيقة ؛ وقيل : المعنى : قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه؟ فإن قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاءوا بدعوى باطلة ، وإن قالوا بظاهر يعلمه فقل لهم سمّوهم ، فإذا سمّوا اللات والعزى ونحوهما ، فقل لهم إن الله لا يعلم لنفسه شريكا ، وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها ، وإن لم يكن له شريك في غير الأرض ، لأنهم ادّعوا له شريكا في الأرض ؛ وقيل : معنى : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أم بزائل من القول باطل ، ومنه قول الشاعر :
أعيّرتنا ألبانها ولحومها |
|
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر |
أي : زائل باطل ، وقيل : بكذب من القول ، وقيل معنى بظاهر من القول بحجة من القول ظاهرة على زعمهم (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي ليس لله شريك ، بل زين للذين كفروا مكرهم. وقرأ ابن عباس «زين» على البناء للفاعل على أن الذي زين لهم ذلك هو مكرهم. وقرأ من عداه بالبناء للمفعول ، والمزين هو الله سبحانه ، أو الشيطان ويجوز أن يسمّى المكر كفرا ، لأنّ مكرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم كان كفرا ، وأما معناه الحقيقي فهو الكيد ، أو التمويه بالأباطيل (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) قرأ حمزة والكسائي وعاصم (صُدُّوا) على البناء للمفعول أي : صدّهم الله ، أو صدّهم الشيطان. وقرأ الباقون على البناء للفاعل أي : صدّوا غيرهم ، واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ يحيى بن وثّاب بكسر الصاد (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي يجعله ضالا وتقتضي مشيئته إضلاله ، فما له من هاد يهديه إلى الخير. قرأ الجمهور (هادٍ) من دون إثبات الياء على اللغة الكثيرة الفصيحة. وقرئ بإثباتها على اللغة القليلة ، ثم بيّن سبحانه ما يستحقّونه ، فقال : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بما يصابون به من القتل والأسر وغير ذلك (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) عليهم من عذاب الحياة الدنيا (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) يقيهم عذابه ، ولا عاصم يعصمهم منه ، ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب في الأولى والآخرة ، ذكر ما أعدّه للمؤمنين ، فقال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي صفتها العجيبة الشأن التي هي في الغرابة كالمثل ، قال ابن قتيبة : المثل الشبه في أصل اللغة ، ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته ، يقال : مثلت لك كذا ، أي : صوّرته ووصفته ، فأراد هنا بمثل الجنة صورتها وصفتها ، ثم ذكرها ، فقال : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وهو كالتفسير للمثل. قال سيبويه : وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة. وقال الخليل وغيره : إن مثل الجنة مبتدأ والخبر تجري. وقال الزجاج : إنه تمثيل للغائب بالشاهد ، ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار ؛ وقيل إن فائدة الخبر ترجع إلى (أُكُلُها دائِمٌ) أي لا ينقطع ، ومثله قوله سبحانه : (لا مَقْطُوعَةٍ