أنه قد فعل ما أمره الله به ، وليس عليه غيره ، وأن من لم يجب دعوته ، ويصدّق نبوّته فالله سبحانه محاسبة على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعني أهل مكة ، والاستفهام للإنكار ، أي أو لم ينظروا (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي : نأتي أرض الكفر كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئا فشيئا. قال الزجاج : أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر ، يقول : أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم ، فكيف لا يعتبرون؟ وقيل : إن معنى الآية : موت العلماء والصلحاء. قال القشيري : وعلى هذا فالأطراف الأشراف ، وقد قال ابن الأعرابي : الطرف : الرجل الكريم. قال القرطبي : وهذا القول بعيد ؛ لأنّ مقصود الآية : أنا أريناهم النقصان في أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلا أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى. وقيل : المراد من الآية : خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران في ناحية منها ؛ وقيل : المراد بالآية : هلاك من هلك من الأمم ؛ وقيل : المراد : نقص ثمرات الأرض ؛ وقيل : المراد : جور ولاتها حتى تنقص (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أي : يحكم ما يشاء في خلقه ، فيرفع هذا ويضع هذا ، ويحيي هذا ويميت هذا ، ويغني هذا ويفقر هذا ، وقد حكم بعزّة الإسلام وعلوّه على الأديان ، وجملة (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) في محل نصب على الحال ، وقيل : معترضة. والمعقب : الذي يكرّ على الشيء فيبطله ، وحقيقته الذي يقفيه بالردّ والإبطال. قال الفراء : معناه لا رادّ لحكمه. قال : والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه ، ولا يستدرك أحد عليه ، والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته على السرعة (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي : قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم ، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلىاللهعليهوسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ، وأن المكر كلّه لله. فقال (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) لا اعتداد بمكر غيره ، ثم فسّر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره ، فقال : (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير وشرّ فيجازيها على ذلك ، ومن علم ما تكسب كل نفس وأعدّ لها جزاءها كان المكر كله له ، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون. وقال الواحدي : إنّ مكر الماكرين مخلوق فلا يضرّ إلا بإرادته ؛ وقيل : المعنى : فلله جزاء مكر الماكرين (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «الكافر» بالإفراد ، وقرأ الباقون «الكفار» بالجمع ، أي : سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا ، أو في الدار الآخرة ، أو فيهما ؛ وقيل : المراد بالكافر : أبو جهل (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) أي : يقول المشركون أو جميع الكفار : لست يا محمد مرسلا إلى الناس من الله ، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم ، فقال : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فهو يعلم صحة رسالتي ، وصدق دعواتي ، ويعلم كذبكم (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي : علم جنس الكتاب كالتّوراة والإنجيل ، فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون صحة رسالة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد أخبر بذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الدّاريّ ونحوهم ، وقد كان المشركون