وسوء العذاب : مصدر ساء يسوء ، والمراد جنس العذاب السيئ ، وهو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة ، وعطف (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) على (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) وإن كان التذبيح من جنس سوء العذاب إخراجا له عن مرتبة العذاب المعتاد حتى كأنه جنس آخر لما فيه من الشدّة ، ومع طرح الواو كما في الآية الأخرى يكون التذبيح تفسيرا لسوء العذاب (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي : يتركونهنّ في الحياة لإهانتهنّ وإذلالهنّ (وَفِي ذلِكُمْ) المذكور من أفعالهم (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي : ابتلاء لكم ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة البقرة مستوفى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) تأذّن بمعنى أذّن قاله الفراء. قال في الكشاف : ولا بدّ في تفعل من زيادة معنى ليست في أفعل ، كأنه قيل : وإذ أذّن ربكم إيذانا بليغا تنتفي عنه الشكوك وتنزاح الشبه. والمعنى : وإذ تأذّن ربكم فقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) أو أجرى تأذّن مجرى قال ؛ لأنه ضرب من القول انتهى ، وهذا من قول موسى لقومه ، وهو معطوف على نعمة الله ، أي : اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذّن ربكم ، وقيل : هو معطوف على قوله : إذ أنجاكم ؛ أي : اذكروا نعمة الله تعالى في هذين الوقتين ، فإن هذا التأذّن أيضا نعمة ، وقيل : هو من قول الله سبحانه ، أي : واذكر يا محمد إذ تأذّن ربكم. وقرأ ابن مسعود «وإذ قال ربّكم» والمعنى واحد كما تقدم ، واللام في لئن شكرتم هي الموطئة للقسم ، وقوله : (لَأَزِيدَنَّكُمْ) سادّ مسدّ جوابي الشرط والقسم ، وكذا اللام في (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) وقوله : (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) سادّ مسدّ الجوابين أيضا ؛ والمعنى : لئن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلا مني ؛ وقيل : لأزيدنكم من طاعتي ؛ وقيل : لأزيدنكم من الثواب ؛ والأوّل أظهر فالشك سبب المزيد ، ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه إن عذابي لشديد ، فلا بدّ أن يصيبكم منه ما يصيب ؛ وقيل : إنّ الجواب محذوف ؛ أي : ولئن كفرتم لأعذبنكم ، والمذكور تعليل للجواب المحذوف (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي : إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها (فَإِنَّ اللهَ) سبحانه (لَغَنِيٌ) عن شكركم لا يحتاج إليه ولا يلحقه بذلك نقص (حَمِيدٌ) أي : مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه ، وإن لم تشكروه ، أو يحمده غيركم من الملائكة (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يحتمل أن يكون هذا خطابا من موسى لقومه ، فيكون داخلا تحت التذكير بأيام الله ، ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطابا لقوم موسى وتذكيرا لهم بالقرون الأولى وأخبارهم ومجيء رسل الله إليهم ، ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد صلىاللهعليهوسلم تحذيرا لهم عن مخالفته ، والنبأ : الخبر ، والجمع الأنباء ومنه قول الشاعر (١) :
ألم تأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد |
و (قَوْمِ نُوحٍ) بدل من الموصول ، أو عطف بيان (وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد هؤلاء المذكورين (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) أي : لا يحصي عددهم ويحيط بهم علما إلا الله سبحانه ، والموصول مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلا الله والجملة معترضة ، أو يكون الموصول معطوفا على ما قبله ولا يعلمهم
__________________
(١). هو قيس بن زهير.