جواز الإطلاق ؛ لأن المراد الاستدلال على الظهور فقط (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ) أي : الذلّ والهوان والفضيحة يوم القيامة (وَالسُّوءَ) أي : العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) مختصّ بهم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) قد تقدّم تفسيره ، والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين ، أو بدل منه ، أو في محل نصب على الاختصاص ، أو في محل رفع على تقدير مبتدأ ، أي : هم الذين تتوفاهم ، وانتصاب ظالمي أنفسهم على الحال (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) معطوف على (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) وما بينهما اعتراض أي أقرّوا بالربوبية ، وانقادوا عند الموت ، ومعناه الاستسلام قاله قطرب ، وقيل معناه المسالمة ، أي : سالموا وتركوا المشاقة قاله الأخفش ؛ وقيل معناه الإسلام أي أقرّوا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر ، وجملة (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) يجوز أن تكون تفسيرا للسلم على أن يكون المراد بالسلم الكلام الدال عليه ، ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك ، ويكون هذا القول منهم على وجه الجحود والكذب ، ومن لم يجوّز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم أرادوا أنهم لم يعملوا سوءا في اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم ، ومثله قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ). فلما قالوا هذا أجاب عليهم أهل العلم بقولهم : (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : بلى كنتم تعملون السوء إن الله عليم بالذي كنتم تعملونه فمجازيكم عليه ولا ينفعكم هذا الكذب شيئا (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) أي : يقال لهم ذلك عند الموت. وقد تقدّم ذكر أبواب جهنم وأن جهنم درجات بعضها فوق بعض ، و (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة لأن خلودهم مستقبل (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) المخصوص بالذم محذوف ، والتقدير : لبئس مثوى المتكبرين جهنم ، والمراد بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما في قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (١) ، ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء ، فقال : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) وهم المؤمنون (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أي : أنزل خيرا. قال الثّعلبي : فإن قيل لم ارتفع الجواب في قوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وانتصب في قوله : (خَيْراً) فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل ، فكأنهم قالوا الذي يقولونه محمد هو أساطير الأوّلين ، والمؤمنون آمنوا بالنزول ، فقالوا أنزل خيرا (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) قيل : هذا من كلام الله عزوجل ، وقيل : هو حكاية لكلام الذين اتقوا ، فيكون على هذا بدلا من خيرا ، وعلى الأوّل يكون كلاما مستأنفا مسوقا للمدح للمتقين ، والمعنى : للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا حسنة ، أي : مثوبة حسنة (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي مثوبتها (خَيْرٌ) مما أوتوا في الدنيا (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) دار الآخرة ، فحذف المخصوص بالمدح لدلالة ما قبله عليه ، وارتفاع (جَنَّاتُ عَدْنٍ) على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها ، أو خبر مبتدأ محذوف ، وقيل : يجوز أن تكون هي المخصوص بالمدح (يَدْخُلُونَها) هو إما خبر المبتدأ ، أو خبر بعد خبر ، وعلى تقدير تنكير عدن تكون صفة لجنات وكذلك (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقيل يجوز أن تكون الجملتان في محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ عدن علم ، وقد تقدّم معنى جري الأنهار من تحت الجنات (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي : لهم في الجنات ما تقع عليه مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرّد ذلك (كَذلِكَ يَجْزِي
__________________
(١). الصافات : ٣٥.