اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي مثل ذلك الجزاء يجزيهم ، والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك وما يوجب النار من المعاصي ، والموصول في قوله : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) في محل نصب نعت للمتقين المذكور قبله ، قرأ الأعمش وحمزة «تتوفاهم» في هذا الموضع ، وفي الموضع الأوّل بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية. واختار القراءة الأولى أبو عبيد مستدلا بما روي عن ابن مسعود أنه قال : إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم. وطيبين فيه أقوال : طاهرين من الشرك ، أو الصالحين ، أو زاكية أفعالهم وأقوالهم ، أو طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله ، أو طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله ، أو طيبين الوفاة ، أي : هي عليهم سهلة لا صعوبة فيها ، وجملة (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) في محل نصب على الحال من الملائكة : أي قائلين سلام عليكم ؛ ومعناه يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة. الثاني أن يكون تبشيرا لهم بالجنة لأن السلام أمان. وقيل : إن الملائكة يقولون : السلام عليك وليّ الله إن الله يقرأ عليك السلام (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : بسبب عملكم ، قيل : يحتمل هذا وجهين : الأوّل أن يكون تبشيرا بدخول الجنة عند الموت ، الثاني أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة. ولا ينافي هذا دخول الجنة بالتفضل كما في الحديث الصحيح : «سدّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنّة بعمله ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» وقد قدّمنا البحث عن هذا.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) قال : هؤلاء المؤمنون ، يقال لهم : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) فيقولون : (خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قال : أحياء وأمواتا قدّر الله لهم ذلك.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠))