وأبو عبيدة : أي : متروكون منسيون في النار ، وبه قال الكسائي والفراء فيكون مشتقا من أفرطت فلانا خلفي : إذا خلفته ونسيته. وقال قتادة والحسن : معجّلون إليها مقدّمون في دخولها من أفرطته ، أي : قدّمته في طلب الماء ، والفارط هو الذي يتقدّم إلى الماء ، والفرّاط المتقدّمون في طلب الماء ، والورّاد المتأخرون ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا فرطكم على الحوض» أي : متقدّمكم. قال القطاميّ :
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا |
|
كما تعجّل فرّاط لورّاد |
وقرأ نافع في رواية ورش (مُفْرَطُونَ) بكسر الراء وتخفيفها ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ؛ ومعناه : مسرفون في الذنوب والمعاصي ؛ يقال : أفرط فلان على فلان ؛ إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشرّ. وقرأ أبو جعفر القاري : (مُفْرَطُونَ) بكسر الراء وتشديدها ؛ أي : مضيعون أمر الله ، فهو من التفريط في الواجب. وقرأ الباقون «مفرطون» بفتح الراء مخففا ، ومعناه : مقدّمون إلى النار.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) قال : الدين الإخلاص ، وواصبا دائما. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) قال : لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (واصِباً) قال : دائما. وأخرج الفريابي وابن جرير عنه قال واجبا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (تَجْئَرُونَ) قال : تتضرعون دعاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : تصيحون بالدعاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) قال : وعيد. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ) الآية قال : يعلمون أن الله خلقهم ويضرّهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرّهم ولا ينفعهم (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله ، وجزءوا من أموالهم جزءا ؛ فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية قال : هو قولهم : «هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا» (١). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) الآية يقول : يجعلون لي البنات يرتضونهن لي ولا يرتضونهنّ لأنفسهم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسّها في التراب وهي حية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحّاك (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) قال : يعني به البنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) قال : يئد ابنته. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) قال : بئس ما حكموا ، يقول : شيء لا يرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) قال : شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) قال : يقول ليس كمثله شيء.
__________________
(١). الأنعام : ١٣٦.