أبلغ أمير المؤمني |
|
ن أخا العراق إذا أتيتا |
إنّ العراق وأهله |
|
سلم إليك فهيت هيتا |
وتكون اللام في (لَكَ) على القراءات الأولى التي هي فيها بمعنى اسم الفعل للبيان ، أي : لك. أقول هذا كما في هلمّ لك. قال النحويون : هيت جاء بالحركات الثلاث ؛ فالفتح للخفة ، والكسر لالتقاء الساكنين ، والضم تشبيها بحيث ، وإذا بين باللام نحو هيت لك فهو صوت قائم مقام المصدر كأف له ، أي : لك أقول هذا. وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل فيكون اسم فعل ، إما خبر : أي تهيأت ، وإما أمر : أي أقبل. وقال في الصحاح : يقال هوّت به وهيّت به إذا صاح به ودعاه ، ومنه قول الشاعر :
يحدو بها كلّ فتى هيّات
وقد روي عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها أنها تدعوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة : كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز ، معناها تعال. قال أبو عبيدة : فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم (قالَ مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله معاذا ممّا دعوتني إليه ، فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله سبحانه ، وجملة (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقرب إلى فهم امرأة العزيز ، والضمير للشأن ، أي : إن الشأن ربي ، يعني العزيز : أي سيدي الذي ربّاني وأحسن مثواي حيث أمرك بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ، فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك؟ وقال الزجّاج : إن الضمير لله سبحانه ، أي : إن الله ربي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرّمه ، وجملة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها ، والفلاح : الظفر. والمعنى : أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم ، ومن جملة الظالمين الواقعون في مثل هذه المعصية التي تطلبها امرأة العزيز من يوسف. قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) يقال : همّ بالأمر ؛ إذا قصده وعزم عليه. والمعنى : أنه همّ بمخالطتها كما همّت بمخالطته ، ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلّة الخلقية ، ولم يكن من يوسف عليهالسلام القصد إلى ذلك اختيارا كما يفيده ما تقدّم من استعاذته بالله ، وإن ذلك نوع من الظلم. ولما كان الأنبياء معصومين عن الهمّ بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلّف ، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال : كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن ، فلما أتيت على (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) قال : هذا على التقديم والتأخير ، كأنه قال : ولقد همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها. وقال أحمد بن يحيى ثعلب : أي همّت زليخا بالمعصية وكانت مصرّة ، وهمّ يوسف ولم يوقع ما همّ به ، فبين الهمّين فرق ، ومن هذا قول الشاعر (١) :
هممت بهمّ من ثنية لؤلؤ (٢) |
|
شفيت غليلات الهوى من فؤاديا |
__________________
(١). هو جميل بثينة.
(٢). في تفسير القرطبي (٩ / ١٦٦) : بثينة لو بدا.