(وَقَضى رَبُّكَ) قال : أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) يقول : برّا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) فيما تميط عنهما من الأذى : الخلاء والبول ، كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسن بن عليّ مرفوعا : «لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرّمه». وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) قال : إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : قولا لينا سهلا. وأخرج البخاري في الأدب ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عروة في قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) قال : يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في الآية قال : اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظّ الغليظ. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) ثم أنزل الله بعد هذا : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) (١). وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه نحوه ، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، وهي معروفة في كتب الحديث.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) أي : بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كلّ الطاعات ، ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم أو الإصرار عليه ، ويندرج تحت هذا العموم ما في النفس من البرّ والعقوق اندراجا أوّليا ؛ وقيل : إن الآية خاصة بما يجب للأبوين من البرّ ، ويحرم على الأولاد من العقوق ، والأوّل أولى اعتبارا بعموم اللفظ ، فلا تخصّصه دلالة السياق ولا تقيده (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) قاصدين الصلاح ، والتوبة من الذنب والإخلاص للطاعة فلا يضرّكم ما وقع من الذنب الذي تبتم عنه (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) أي : الرجّاعين عن الذنوب إلى التوبة ، وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص غفورا لما فرط منهم من قول
__________________
(١). التوبة : ١١٣.