في عام (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) أي : أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهرا ليسقيهما دائما من غير انقطاع ، وقرئ «فجرنا» بالتشديد للمبالغة ، وبالتخفيف على الأصل (وَكانَ لَهُ) أي : لصاحب الجنتين (ثَمَرٌ) قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق «ثمر» بفتح الثاء والميم ، وكذلك قرءوا في قوله : (أُحِيطَ بِثَمَرِهِ) وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما ، وقرأ الباقون بضمهما جميعا في الموضعين. قال الجوهري : الثمرة واحدة الثمر ، وجمع الثمر ثمار ؛ مثل جبل وجبال. قال الفراء : وجمع الثمار ثمر ، مثل كتاب وكتب ، وجمع الثمر أثمار ، مثل عنق وأعناق ، وقيل : الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك. وقيل : هو الذهب والفضة خالصة (فَقالَ لِصاحِبِهِ) أي : قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) أي : والكافر يحاور المؤمن ، والمعنى : يراجعه الكلام ويجاوبه ، والمحاورة : المراجعة ، والتحاور : التجاوب (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) النفر : الرهط ، وهو ما دون العشرة ، وأراد هاهنا الأتباع والخدم والأولاد (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) أي دخل الكافر جنة نفسه. قال المفسرون : أخذ بيد أخيه المسلم ، فأدخله جنته يطوف به فيها ، ويريه عجائبها ، وإفراد الجنة هنا يحتمل أن وجهه كونه لم يدخل أخاه إلا واحدة منهما ، أو لكونهما لما اتصلا كانا كواحدة ، أو لأنه أدخله في واحدة ، ثم واحدة أو لعدم تعلّق الغرض بذكرهما ، وما أبعد ما قاله صاحب الكشاف أنه وحد الجنة للدلالة على أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون ، وجملة (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) في محل نصب على الحال ، أي : وذلك الكافر ظالم لنفسه بكفره وعجبه (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) أي : قال الكافر لفرط غفلته وطول أمله : ما أظن أن تفنى هذه الجنة التي تشاهدها (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته. قال الزجاج : أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) اللام هي الموطئة للقسم ، والمعنى : أنه إن يردّ إلى ربه فرضا وتقديرا كما زعم صاحبه ، واللام في «لأجدن» جواب القسم ، والشرط ، أي : لأجدنّ يومئذ خيرا من هذه الجنة ، في مصاحف مكة والمدينة والشام خيرا منهما وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة (خَيْراً مِنْها) على الإفراد ، و (مُنْقَلَباً) منتصب على التمييز ، أي : مرجعا وعاقبة ، قال هذا قياسا للغائب على الحاضر ، وأنه لما كان غنيا في الدنيا ، سيكون غنيا في الأخرى ، اغترارا منه بما صار فيه من الغنى الذي هو استدراج له من الله (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) أي : قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكرا عليه ما قاله : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) بقولك : (ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) وقال : خلقك من تراب ؛ أي : جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه ، وهو أصلك ، وأصل البشر فلكلّ فرد حظ من ذلك ؛ وقيل : يحتمل أنه كان كافرا بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر ، ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) وهي المادّة القريبة (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) أي : صيرك إنسانا ذكرا وعدل أعضاءك وكمّلك ، وفي هذا تلويح بالدليل على البعث ، وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة ، وانتصاب رجلا على الحال أو التمييز (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) كذا قرأ الجمهور بإثبات الألف بعد لكنّ المشدّدة. وأصله لكن أنا حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها فصار لكننا ، ثم