تحرّك الكافرين وتهيّجهم وتغويهم ، وذلك هو التسليط لها عليهم ، وقيل : معنى الأزّ الاستعجال ، وهو مقارب لما ذكرنا ؛ لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج ، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حالهم وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم ، وجملة : «تؤزهم أزّا» في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدلّ عليه المقام ، كأنه قيل : ماذا تفعل الشياطين بهم؟ (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر ، وعنادهم للحق ، وتمرّدهم عن داعي الله سبحانه ، ثم علّل سبحانه هذا النهي بقوله : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يعني نعدّ الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم ، وقيل : نعدّ أنفاسهم ، وقيل : خطواتهم ، وقيل : لحظاتهم ، وقيل : الساعات. وقال قطرب : نعدّ أعمالهم. وقيل : المعنى : لا تعجل عليهم ؛ فإنما نؤخّرهم ليزدادوا إثما. ثم لما قرّر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه ؛ أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذ ، فقال : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) الظرف منصوب بفعل مقدّر ، أي : اذكر يا محمد يوم الحشر ، وقيل : منصوب بالفعل الذي بعده ، ومعنى حشرهم إلى الرحمن ؛ حشرهم إلى جنته ودار كرامته ، كقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) (١) والوفد : جمع وافد ؛ كالركب جمع راكب ، وصحب جمع صاحب ، يقال : وفد يفد وفدا إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) السوق : الحثّ على السير ، والورد : العطاش ، قاله الأخفش وغيره. وقال الفراء وابن الأعرابي : هم المشاة ، وقال الأزهري : هم المشاة العطاش كالإبل ترد الماء. وقيل : وردا ، أي : للورد ، كقولك : جئتك إكراما ، أي : للإكرام ، وقيل : أفرادا. قيل : ولا تناقض بين هذه الأقوال ، فهم يساقون مشاة عطاشا أفرادا ، وأصل الورد الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك. والورد : الماء الذي يورد ، وجملة (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور ، والضمير في «يملكون» راجع إلى الفريقين ، وقيل : للمتقين خاصة ، وقيل : للمجرمين خاصة ، والأوّل أولى. ومعنى «لا يملكون الشفاعة» : أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم. وقيل : لا يملك غيرهم أن يشفع لهم ، والأوّل أولى (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) هذا الاستثناء متّصل على الوجه الأوّل ؛ أي : لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعدّ لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمنا متقيا ، فهذا معنى اتّخاذ العهد عند الله. وقيل : معنى اتّخاذ العهد أن الله أمره بذلك ، كقولهم : عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به. وقيل : معنى اتّخاذ العهد شهادة أن لا إله إلا الله ، وقيل غير ذلك. وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل «من» في (مَنِ اتَّخَذَ) الرفع على البدل ، أو النصب على أصل الاستثناء. وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع ؛ لأن التقدير : لا يملك المجرمون الشفاعة (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) وهم المسلمون ، وقيل : هو متصل على هذا الوجه أيضا ، والتقدير : لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلما (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) قرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة والكسائي ولدا بضم الواو وإسكان اللام. وقرأ الباقون في المواضع
__________________
(١). الصافات : ٩٩.