هممت ولم أفعل وكدت وليتني |
|
تركت على عثمان تبكي حلائله |
أي : وكدت أفعل ، واختار هذا النحاس. وقال أبو عليّ الفارسي : هو من باب السلب وليس من الأضداد ، ومعنى أخفيها : أزيل عنها خفاءها ، وهو سترها ، ومن هذا قولهم أشكيته ، أي : أزلت شكواه. وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن «أكاد» زائدة للتأكيد ، قال : ومثله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (١) ، ومثله قول الشاعر (٢) :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه |
|
فما إن يكاد قرنه يتنفّس |
قال : والمعنى أكاد أخفيها ، أي : أقارب ذلك ، لأنك إذا قلت : كاد زيد يقوم ؛ جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم ، ودلّ على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا ، وقوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) متعلّق بآتية ، أو بأخفيها ، وما مصدرية ، أي : لتجزى كل نفس بسعيها ، والسعي وإن كان ظاهرا في الأفعال ، فهو هنا يعمّ الأفعال والتروك ؛ للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) أي : لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة ، والتصديق بها ، أو عن ذكرها ومراقبتها (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) من الكفرة ، وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر ، فهو في الحقيقة نهي له صلىاللهعليهوسلم عن الانصداد ، أو عن إظهار اللين للكافرين ، فهو من باب : لا أرينك هاهنا ، كما هو معروف. وقيل : الضمير في «عنها» للصلاة وهو بعيد ، وقوله : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) معطوف على ما قبله ، أي : من لا يؤمن ، ومن اتبع هواه ، أي : هوى نفسه بالانهماك في اللذات الحسية الفانية (فَتَرْدى) أي : فتهلك ؛ لأن انصدادك عنها بصدّ الكافرين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له.
وقد أخرج ابن المنذر وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، وابن عساكر عن ابن عباس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أوّل ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى ، فأنزل الله (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)». وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال : قالوا : لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن عساكر عنه أيضا قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل لئلا ينام ، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج البزار عن عليّ قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يراوح بين قدميه ، يقوم على كلّ رجل حتى نزلت (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) وحسّن السّيوطي إسناده. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا بأطول منه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ربما قرأ القرآن إذا صلى ، فقام على رجل واحدة ، فأنزل الله (طه) برجليك ف (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه في قوله : (طه) قال : يا رجل. وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : (طه) بالنبطية. أي : طأ يا رجل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : هو كقولك اقعد. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال : (طه) بالنبطية يا رجل. وأخرج ابن
__________________
(١). النور : ٤٠.
(٢). هو زيد الخيل.