يعتبرون ويتفكّرون في أن هذا العجل لا يرجع إليهم قولا ، أي : لا يردّ عليهم جوابا ، ولا يكلّمهم إذا كلّموه ، فكيف يتوهّمون أنه إله وهو عاجز عن المكالمة ، فأن في (أَلَّا يَرْجِعُ) هي المخففة من الثقيلة ، وفيها ضمير مقدّر يرجع إلى العجل ، ولهذا ارتفع الفعل بعدها ، ومنه قول الشاعر :
في فتية من سيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل |
أي : أنه هالك. وقرئ بنصب الفعل على أنها الناصبة ، وجملة (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) معطوفة على جملة لا يرجع ، أي : أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرّا ولا يجلب إليهم نفعا (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مؤكدة لما تضمنته الجملة التي قبلها من الإنكار عليهم والتوبيخ لهم ، أي : ولقد قال لهم هارون من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أي : وقعتم في الفتنة بسبب العجل ، وابتليتم به ، وضللتم عن طريق الحقّ لأجله ، قيل : ومعنى القصر المستفاد من «إنما» هو أن العجل صار سببا لفتنتهم لا لرشادهم ، وليس معناه أنهم فتنوا بالعجل لا بغيره. (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) أي : ربكم الرحمن لا العجل ، فاتبعوني في أمري لكم بعبادة الله ، ولا تتبعوا السامريّ في أمره لكم بعبادة العجل ، وأطيعوا أمري لا أمره (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) أجابوا هارون عن قوله المتقدّم بهذا الجواب المتضمّن لعصيانه ، وعدم قبول ما دعاهم إليه من الخير وحذّرهم عنه من الشرّ ؛ أي : لن نزال مقيمين على عبادة هذا العجل ؛ حتى يرجع إلينا موسى ، فينظر هل يقرّرنا على عبادته أو ينهانا عنها ، فعند ذلك اعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من المنكرين لما فعله السامريّ.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : (يَبَساً) قال : يابسا ليس فيه ماء ولا طين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (لا تَخافُ دَرَكاً) من آل فرعون (وَلا تَخْشى) من البحر غرقا. وأخرجا عنه أيضا في قوله : (فَقَدْ هَوى) : شقي. وأخرجا عنه أيضا (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) قال : من الشرك (وَآمَنَ) قال : وحّد الله (وَعَمِلَ صالِحاً) قال : أدّى الفرائض (ثُمَّ اهْتَدى) قال : لم يشكّك. وأخرج سعيد بن منصور والفريابي عنه أيضا (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) قال : من تاب من الذنب ، وآمن من الشرك ، وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه (ثُمَّ اهْتَدى) علم أن لعمله ثوابا يجزى عليه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (ثُمَّ اهْتَدى) قال : ثم استقام ولزم السنة والجماعة. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والبيهقي في البعث ، من طريق عمرو بن ميمون عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال : تعجل موسى إلى ربه ، فقال الله : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) الآية ، قال : فرأى في ظلّ العرش رجلا فعجب له ، فقال : من هذا يا ربّ؟ قال : لا أحدثك من هو ، لكن سأخبرك بثلاث فيه : كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يعقّ والديه ، ولا يمشي بالتميمة. وأخرج الفريابي وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عن عليّ قال : لما تعجّل موسى إلى ربّه عمد السامريّ