فجمع ما قدر عليه من حليّ بني إسرائيل فضربه عجلا ، ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار ، فقال لهم السامريّ : هذا إلهكم وإله موسى ، فقال لهم هارون : يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ، فلما أن رجع موسى أخذ برأس أخيه ، فقال له هارون ما قال ، فقال موسى للسامريّ : ما خطبك قال : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (١) فعمد موسى إلى العجل ، فوضع موسى عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر ، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد ذلك العجل إلا اصفرّ وجهه مثل الذهب ، فقالوا لموسى : ما توبتنا؟ قال : يقتل بعضكم بعضا ، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه ، ولا يبالي بمن قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفا ، فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي. والحكايات لهذه القصة كثيرة جدّا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بِمَلْكِنا) قال : بأمرنا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة (بِمَلْكِنا) قال : بطاقتنا. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج أيضا عن الحسن قال : بسلطاننا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) قال : فنسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهه.
(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١))
جملة (قالَ يا هارُونُ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والمعنى : أن موسى لما وصل إليهم أخذ بشعور رأس أخيه هارون وبلحيته ، وقال : (ما مَنَعَكَ) من اتباعي واللحوق بي عند ما وقعوا في هذه الضلالة ودخلوا في الفتنة ، وقيل معنى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَتَّبِعَنِ) : ما منعك من اتباعي في الإنكار عليهم ، وقيل : معناه : هلّا قاتلتهم إذ قد علمت أنّي لو كنت بينهم لقاتلتهم ؛ وقيل : معناه : هلّا فارقتهم ، و «لا» في «أن لا تتبعني» زائدة ، وهو في محل نصب على أنه مفعول ثان لمنع ، أي : أيّ شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من اتباعي. والاستفهام في (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) للإنكار والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، والمعنى : كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ومنابذة من خالف دينه وأقمت بين هؤلاء الذين اتّخذوا العجل
__________________
(١). طه : ٩٦.