إلها؟ وقيل : المراد بقوله «أمري» : هو قوله الذي حكى الله عنه : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١) ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في الإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) قرئ بالفتح والكسر للميم ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة الأعراف ، ونسبه إلى الأمّ مع كونه أخاه لأبيه وأمه عند الجمهور استعطافا له وترقيقا لقلبه ، ومعنى (وَلا بِرَأْسِي) ولا بشعر رأسي ، أي : لا تفعل هذا بي عقوبة منك لي ، فإن لي عذرا هو (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يتفرقوا فتقول إني فرقت جماعتهم ، وذلك لأنّ هارون لو خرج لتبعه جماعة منهم وتخلّف مع السامريّ عند العجل آخرون ، وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم ، ومعنى (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ولم تعمل بوصيتي لك فيهم ، إني خشيت أن تقول فرّقت بينهم وتقول لم تعمل بوصيتي لك فيهم وتحفظها ، ومراده بوصية موسى له هو قوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) قال أبو عبيد : معنى (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ولم تنتظر عهدي وقدومي ؛ لأنك أمرتني أن أكون معهم ، فاعتذر هارون إلى موسى هاهنا بهذا ، واعتذر إليه في الأعراف بما حكاه الله عنه هنالك حيث قال : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (٢) ثم ترك موسى الكلام مع أخيه وخاطب السامريّ ف (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) أي : ما شأنك؟ وما الذي حملك على ما صنعت؟ (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي : قال السامريّ مجيبا على موسى : رأيت ما لم يروا ، أو علمت بما لم يعلموا ، وفطنت لما لم يفطنوا له ، وأراد بذلك أنه رأى جبريل على فرس الحياة ، فألقي في ذهنه أن يقبض قبضة من أثر الرسول ، وأن ذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حيا. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف ما لم تبصروا به بالمثناة من فوق على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية ، وهي أولى ، لأنه يبعد كلّ البعد أن يخاطب موسى بذلك ، ويدّعي لنفسه أنه علم ما لم يعلم به موسى ، وقرئ بضم الصاد فيهما وبكسرها في الأوّل وفتحها في الثاني ، وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة فقبصت قبصة بالصاد المهملة فيهما ، وقرأ الباقون بالضاد المعجمة فيهما ، والفرق بينهما أن القبض بالمعجمة : هو الأخذ بجميع الكف ، وبالمهملة : بأطراف الأصابع ، والقبضة بضم القاف : القدر المقبوض. قال الجوهري : هي ما قبضت عليه من شيء ، قال : وربما جاء بالفتح ، وقد قرئ (قَبْضَةً) بضم القاف وفتحها ، ومعنى الفتح المرّة من القبض ، ثم أطلقت على المقبوض وهو معنى القبضة بضم القاف ، ومعنى (مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) من المحل الذي وقع عليه حافر فرس جبريل ، ومعنى (فَنَبَذْتُها) فطرحتها في الحلّي المذابة المسبوكة على صورة العجل (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) قال الأخفش : أي : زيّنت ؛ أي : ومثل ذلك التّسويل سوّلت لي نفسي ؛ وقيل : معنى (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) : حدّثني نفسي ، فلما سمع موسى منه ذلك (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) أي : فاذهب من بيننا ، واخرج عنّا ، فإنّ لك في الحياة ؛ أي : ما دمت حيا ، وطول حياتك ، أن تقول لا مساس. المساس : مأخوذ من المماسّة ؛ أي : لا يمسك أحد ولا تمسّ أحدا ، لكن لا بحسب الاختيار منك ،
__________________
(١). الأعراف : ١٤٢.
(٢). الأعراف : ١٥٠.