نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))
قوله : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر ، كما مرّ غير مرّة ، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها ، وفاعل يهد هو الجملة المذكورة بعدها ، والمفعول محذوف ، وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلا ، وجوّزه غيرهم. قال القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم. قال النحاس : وهذا خطأ لأن كم استفهام ، فلا يعمل فيها ما قبلها. وقال الزجاج : المعنى أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه ، وحقيقته تدلّ على الهدى ، فالفاعل هو الهدى ، وقال : (كَمْ) في موضع نصب بأهلكنا ، وقيل : إن فاعل يهد ضمير لله أو للرسول ، والجملة بعده تفسّره ، ومعنى الآية على ما هو الظاهر : أفلم يتبين لأهل مكة خبر من (أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) حال كون القرون (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ويتقلّبون في ديارهم ، أو حال كون هؤلاء يمشون في مساكن القرون الذي أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة ؛ فيرون بلاد الأمم الماضية ؛ والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط ؛ فإنّ ذلك ممّا يوجب اعتبارهم لئلا يحلّ بهم مثل ما حلّ بأولئك. وقرأ ابن عباس والسّلمي نهد بالنون ، والمعنى على هذه القراءة واضح ، وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) تعليل للإنكار وتقرير للهداية ، والإشارة بقوله ذلك إلى مضمون كم أهلكنا إلى آخره. والنهى : جمع نهية ، وهي العقل : أي لذوي العقول التي تنهى أربابها عن القبيح (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي : ولو لا الكلمة السابقة ، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الدار الآخرة (لَكانَ) عقاب ذنوبهم (لِزاماً) أي : لازما لهم ، لا ينفكّ عنهم بحال ولا يتأخّر. وقوله : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) معطوف على كلمة ، قاله الزجّاج وغيره ؛ والأجل المسمى : هو يوم القيامة ، أو يوم بدر ؛ واللزام مصدر لازم ، قيل : ويجوز عطف «وأجل مسمى» على الضمير المستتر في كان العائد ؛ إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق ، تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد ، أي : لكان الأخذ العاجل (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود ، وفيه تعسّف ظاهر. ثم لمّا بيّن الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من أنك ساحر كذّاب ، ونحو ذلك من مطاعنهم الباطلة ، والمعنى : لا تحتفل بهم ؛ فإن لعذابهم وقتا مضروبا لا يتقدّم ولا يتأخّر. وقيل : هذا منسوخ بآية القتال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي : متلبّسا بحمده ، قال أكثر المفسرين : والمراد الصلوات الخمس كما يفيد قوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) فإنه إشارة إلى صلاة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) فإنه إشارة إلى صلاة العصر (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) العتمة ، والمراد بالآناء : الساعات ، وهي جمع إنّى بالكسر والقصر ، وهو الساعة ، ومعنى (فَسَبِّحْ) أي : فصلّ (وَأَطْرافَ النَّهارِ) أي : المغرب والظهر ؛ لأن الظهر في آخر طرف النهار الأوّل ، وأوّل طرف النهار الآخر. وقيل : إن الإشارة إلى