وفي قوله : (جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان ، يقال لإحداهما حضور وللأخرى قلابة ، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم ، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبيا فدعاهم فقتلوه ، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم ، فجهز لهم جيشا ، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه ، فجهز إليهم جيشا آخر أكثف من الأوّل ، فهزموهم أيضا ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه ، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون ، فسمعوا مناديا يقول : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ) فرجعوا ، فسمعوا صوتا مناديا يقول : يا لثارات النبيّ فقتلوا بالسيف ، فهي التي قال الله : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) إلى قوله : (خامِدِينَ). قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد (١) في جهة الغرب منها. وأخرج ابن بالمنذر عن ابن عباس في قوله : (حَصِيداً خامِدِينَ) قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) قال : بعباده (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحّاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية ، وما ذلك إلا لأنهم لا يعلمون قدرة الله ، قال الله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥))
قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) هؤلاء القائلون هم خزاعة ، فإنهم قالوا : الملائكة بنات الله ، وقيل : هم اليهود ، ويصحّ حمل الآية على كلّ من جعل لله ولدا. وقد قالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت
__________________
(١). البريد : يساوي نحو (٢٠) كم تقريبا على بعض التقديرات.