اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧))
لمّا انجرّ الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها ، بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها ، حثّا على التقوى التي هي أنفع زاد ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي : احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات ، ولفظ «الناس» يشمل جميع المكلّفين من الموجودين ومن سيوجد ، على ما تقرّر في موضعه ، وقد قدّمنا طرفا من تحقيق ذلك في سورة البقرة ، وجملة (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) تعليل لما قبلها من الأمر بالتقوى ، والزلزلة : شدّة الحركة ، وأصلها من زلّ عن الموضع ، أي : زال عنه وتحرّك ، وزلزل الله قدمه ، أي : حرّكها ، وتكرير الحرف يدلّ على تأكيد المعنى ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، وهي على هذه الزلزلة التي هي أحد أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة ، هذا قول الجمهور ، وقيل : إنها تكون في النصف من شهر رمضان ، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها ؛ وقيل : إن المصدر هنا مضاف إلى الظرف ، وهو الساعة ، إجراء له مجرى المفعول ، أو بتقدير في ؛ كما في قوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (١) وهي المذكورة في قوله : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (٢) قيل : وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها. (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) انتصاب الظرف بما بعده ، والضمير يرجع إلى الزلزلة ، أي : وقت رؤيتكم لها تذهل كل ذات رضاع عن رضيعها وتغفل عنه. قال قطرب : تذهل : تشتغل ، وأنشد قول الشاعر (٣) :
ضربا يزيل الهام عن مقيله |
|
ويذهل الخليل عن خليله |
وقيل : تنسى ، وقيل : تلهو ، وقيل : تسلو ، وهذه معانيها متقاربة. قال المبرّد : إن «ما» فيما أرضعت بمعنى المصدر ، أي : تذهل عن الإرضاع ، قال : وهذا يدلّ على أن هذه الزلزلة في الدنيا ؛ إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع ، إلا أن يقال : من ماتت حاملا فتضع حملها للهول ، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك ، ويقال هذا مثل كما يقال : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (٤). وقيل : يكون مع النفخة الأولى ، قال : ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة ، كما في قوله : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) (٥). ومعنى (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) أنها تلقي جنينها لغير تمام من شدّة الهول ، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك. (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطاب لكل واحد ؛ أي : يراهم الرائي كأنهم سكارى (وَما هُمْ بِسُكارى) حقيقة ، قرأ حمزة والكسائي سكرى بغير ألف ، وقرأ الباقون بإثباتها ، وهما لغتان يجمع بهما سكران ، مثل كسلى وكسالى. ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب
__________________
(١). سبأ : ٣٣.
(٢). الزلزلة : ١.
(٣). هو عبد الله بن رواحة.
(٤). المزمل : ١٧.
(٥). البقرة : ٢١٤.