جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ، والبيهقي في سننه ، من طرق عن عليّ بن أبي طالب قال : البرق مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب يزجرون به السحاب. وروي عن جماعة من السلف ما يوافق هذا ويخالفه ، ولعلنا قد قدّمنا في سورة البقرة شيئا من ذلك. وأخرج أحمد عن شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله ينشئ السحاب فتنطق أحسن النطق ، وتضحك أحسن الضحك». قيل : والمراد بنطقها الرعد ، وبضحكها البرق. وقد ثبت عند أحمد والترمذي ، والنسائي في اليوم والليلة ، والحاكم في مستدركه ، من حديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال : «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك». وأخرج العقيلي وضعّفه ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ينشئ الله السحاب ، ثم ينزل فيه الماء ، فلا شيء أحسن من ضحكه ، ولا شيء أحسن من نطقه ، ومنطقه الرعد ، وضحكه البرق». وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت ، وليس بالأنصاري ، سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن منشأ السحاب قال : «إنّ ملكا موكلا يلمّ القاصية ويلحم الدانية ، في يده مخراق ، فإذا رفع برقت ، وإذا زجر رعدت ، وإذا ضرب صعقت».
وأخرج أحمد ، والترمذي وصحّحه ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، والضّياء في المختارة ، عن ابن عباس قال : «أقبلت يهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء ، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنك نبيّ واتبعناك ، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال الله على ما نقول وكيل ، قال : هاتوا ، قالوا : أخبرنا عن علامة النبيّ؟ قال : تنام عيناه ولا ينام قلبه ؛ قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر؟ قال : يلتقي الماءان ، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت ؛ قالوا : أخبرنا عما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال : كان يشتكي عرق النسا ، فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا : يعني الإبل ، فحرّم لحومها ، قالوا : صدقت ؛ قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال : ملك من ملائكة الله موكّل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله ، قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال : صوته. قالوا : صدقت إنما بقيت واحدة ، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا ، إنه ليس من نبيّ إلا له ملك يأتيه بالخبر ، فأخبرنا من صاحبك؟ قال : جبريل ، قالوا : جبريل ذاك ينزل بالخراب والقتال والعذاب عدوّنا ، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان ، فأنزل الله (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) (١)» إلى آخر الآية.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، وابن أبي الدنيا في المطر ، وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحان الذي سبّحت له ، وقال : إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه.
__________________
(١). البقرة : ٩٧.