متقاربة ، والأصل طيبي فصارت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها ، واللام في لهم للبيان مثل سقيا لك ورعيا لك. وقرئ (حُسْنُ مَآبٍ) بالنصب والرفع ، من آب إذا رجع ، أي : وحسن مرجع ، وهو الدار الآخرة ؛ (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أي : مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن المشتمل على المعجزة الباهرة أرسلناك يا محمد ، وقيل شبه الإنعام على من أرسل إليه محمد صلىاللهعليهوسلم بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله ، ومعنى (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) في قرن قد مضت من قبله قرون ، أو في جماعة من الناس قد مضت من قبلها جماعات (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي لتقرأ عليهم القرآن ، (وَ) الحال أن (هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) أي : بالكثير الرحمة لعباده ، ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١) وجملة (قُلْ هُوَ رَبِّي) مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا : وما الرحمن؟ فقال سبحانه : (قُلْ) يا محمد (هُوَ رَبِّي) أي خالقي (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري (وَإِلَيْهِ) لا إلى غيره (مَتابِ) أي : توبتي ، وفيه تعريض بالكفار ، وحثّ لهم على الرجوع إلى الله ، والتوبة من الكفر ، والدخول في الإسلام.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن سابط في قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) قال : كزاد الراعي يزوده أهله الكفّ من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله ، أو غنمه ، فيقول لأهله : متعوني ، فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر ، فهذا مثل ضربه الله للدنيا. وأخرج الترمذي وصحّحه عن عبد الله بن مسعود قال : «نام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حصير فقام وقد أثّر في جنبه ، فقلنا : يا رسول الله لو اتّخذنا لك؟ فقال : ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ، ثم راح وتركها». وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن المستورد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليمّ فلينظر بم يرجع؟ وأشار بالسبابة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) قال : هشت إليه واستأنست به. وأخرج أبو الشيخ عن السدّي في الآية قال : إذا حلف لهم بالله صدقوا (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) قال : تسكن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال : بمحمد وأصحابه. وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه حين نزلت هذه الآية : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) هل تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : من أحبّ الله ورسوله وأحبّ أصحابي». وأخرج ابن مردويه عن عليّ : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الآية (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) قال : ذاك من أحبّ الله
__________________
(١). الأنبياء : ١٠٧.