يقدر : يعطي بقدر الكفاية ، ومعنى الآية : أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي مشركوا مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله ، قيل : وفي هذه الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا ، فيكون وفرحوا معطوفا على يفسدون (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) أي : ما هي إلا شيء يستمتع به ، وقيل : المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما ؛ وقيل : المعنى : شيء قليل ذاهب ، من متع النهار : إذا ارتفع فلا بدّ له من زوال ؛ وقيل : زاد كزاد الراكب يتزوّد به منها إلى الآخرة (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي : يقول أولئك المشركون من أهل مكة هلا أنزل على محمد آية من ربه؟ وقد تقدّم تفسير هذا قريبا ، وتكرر في مواضع (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بهذا ، وهو أن الضلال بمشيئة الله سبحانه ، من شاء أن يضله ضلّ كما ضلّ هؤلاء القائلون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) أي ويهدي إلى الحق ، أو إلى الإسلام ، أو إلى جنابه عزوجل (مَنْ أَنابَ) أي : من رجع إلى الله بالتوبة والإقلاع عمّا كان عليه ، وأصل الإنابة الدخول في نوبة الخير ، كذا قال النيسابوري ، ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله : (مَنْ أَنابَ) أي أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه ، ويجوز أن يكون الذين آمنوا خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين آمنوا ، أو منصوب على المدح (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه بألسنتهم ، كتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد ، أو بسماع ذلك من غيرهم ، وقد سمّى سبحانه القرآن ذكرا قال : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (١) ، وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٢) قال الزجاج : أي : إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (٣) وقيل : تطمئن قلوبهم بتوحيد الله ، وقيل : المراد بالذكر هنا الطاعة ، وقيل : بوعد الله ، وقيل : بالحلف بالله ، فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه ، وقيل : بذكر رحمته ، وقيل : بذكر دلائله الدالة على توحيده (أَلا بِذِكْرِ اللهِ) وحده دون غيره (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) والنظر في مخلوقات الله سبحانه وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة في الجملة ، لكن ليست كهذه الطمأنينة ، وكذلك النظر في المعجزات من الأمور التي لا يطيقها البشر ، فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر الله ، فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر ؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) الموصول مبتدأ خبره الجملة الدعائية ، وهي طوبى لهم على التأويل المشهور ، ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المدح ، وطوبى لهم خبر مبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون الموصول بدلا من القلوب على حذف مضاف ؛ أي قلوب الذين آمنوا. قال أبو عبيدة والزّجّاج وأهل اللغة : طوبى فعلى من الطيب. قال ابن الأنباري : وتأويلها الحال المستطابة ، وقيل : طوبى شجرة في الجنة ، وقيل : هي الجنة ، وقيل : هي البستان بلغة الهند ، وقيل : معنى طوبى لهم : حسنى لهم ، وقيل : خير لهم ، وقيل : كرامة لهم ، وقيل : غبطة لهم. قال النحّاس : وهذه الأقوال
__________________
(١). الأنبياء : ٥٠.
(٢). الحجر : ٩.
(٣). الزمر : ٤٥.