قيل لابن عرفة : وكذلك من كفر قبل ذلك ضل عن مطلق السبيل لا عن سواء السبيل ؛ لأنه كفر قبل ظهور الدليل والمعجزات.
قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ).
ابن عرفة : ما زائدة للتأكيد ، والزائد في القرآن كله لمعنى فهي نائبة مناب تكثير اللفظ أي فبنقضهم ميثاقهم.
قوله تعالى : (لَعَنَّاهُمْ).
قال الزمخشري : أي طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا ، وقيل : مسخناهم (١) ، وقيل : ضربنا عليهم الجزية. ابن عرفة : قوله : (لَمَسَخْناهُمْ) [سورة التوبة : ٦٧] بأنه معنى يرجع إلى معنى الظرف ويكون المسخ في القرآن أي بسبب تعذيبهم في السبت ، قال الله تعالى (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [سورة الأعراف : ١٦٦] وليس سببه نقضهم الميثاق.
قوله تعالى : (قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ).
ابن عرفة : فيها دليل لأهل الظاهر ، وأجيب بأنا لا نخرج اللفظ عن ظاهره إلا بدليل فلم يحرفه عن مواضعه ، وإنما فيها رد على الباطنية ، قالوا : وفيها رد على الصوفية الذين يحملون الألفاظ على خلاف غير ظاهرها ، وأجيب بأنهم لا يخرجونها عن الظاهر بالكلية بل يبقونها على ظاهرها ويريدون لها معنى آخر ، يقولون : يحتمل أن يراد بها كذا ، قالوا : وفيها دليل للمرجئة (٢) الذين أخذوا بظاهر حديث : من قال لا
__________________
(١) أي : شوهناهم ، والمسخ يكون بتحويل الإنسان إلى صورة حيوان يناسبه ، أو هي تحويل الصورة إلى صورة أخرى أقبح. القاموس المحيط مادة : (م س خ) ، لسان العرب (م س خ).
(٢) الإرجاء على معنيين : أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : (قالوا أرجه وأخاه) أي أمهله وأخره ، والثاني : إعطاء الرجاء ، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح ؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد ، وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون : لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ، وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. الملل والنحل ١ / ١٣٨.