قيل لابن عرفة : كيف يفهم قوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [سورة البقرة : ٢٥٧] مع أن الذي أرسل إليه الرسول الثاني بعد إيمانه بالأول لم يكن خبر إرسال الثاني في الظلمات ، فقال : كان متمكنا لها وقائلا لها ، وكان كفره بالثاني فكأنه حصل في الظلمات بناء على أن من ملك أن يملك يعد مالكا.
قال ابن عرفة : فإن قلت : هذا مشكل بما أجاب به الزمخشري ، في قوله تعالى : في الأنعام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام : ١] قال : إنما أفرد النور وجمع الظلمات ؛ لأن طرق الضلالة متعددة ، وطريق الحق واحد ، وهنا ينبغي تعدد طرق الحق ، فأجاب ابن عرفة : بأن طرق الحق إن تعددت فهي موصلة لشيء واحد ، وطرق الضلال إذا تعددت توصل إلى ضلالات متعددة ؛ لأن أنواع الكفر متعددة كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
قيل لابن عرفة : ما أفاد قوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بعد قوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ؟) فأجاب بأن قواعد العقائد متعددة منها الإيمان بوجود الله تعالى ، والإيمان بوحدانيته ، وما يجب له وما يجوز له وما يستحيل في حقه ، والإيمان ببعثه الرسل وكل ما جاءوا به ، وبالمعاد والحشر والشر ، فأفاد هذا الإيمان بالفروع ، وأفاد الأول الإيمان بالصانع وبنفس رسالة الرسل.
قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).
قال ابن عرفة : انظر إلى حيث مقالتهم كيف أتوا باللفظ الأبلغ من ثلاثة أوجه ؛ لأن قولك : الخليفة أبو بكر أبلغ من قولك : أبو بكر الخليفة ؛ لاقتضائه حصر الخلافة في أبي بكر.
الثاني : البناء على الضمير.
الثالث : التأكيد.
قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً).
ابن عرفة : الفاء جواب شرط مقدر ، أي إن كانوا ما قالوه حقا فمن ملك من الله شيئا ، وهذا استدلال بمقدمة إما جملية ، وإما شرطية فتقدير الجملية : كل قابل للهلاك غير الله والمسيح ابن مريم قابل للهلاك فليس بإله ، وتقدير الشرطية : كله ما كان المسيح ابن مريم قابلا للهلاك كان غير إله فالمقدم حق فالثاني حق فالملازمة صحيحة.
قوله تعالى : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).