عصوا الرسل إما بالتكذيب فقط أو بالقتل مع أن الثابت أن بعضهم أسلم وأطاع ، وما قلناه نحن يقتضي أن بعضهم كذب ، وبعضهم قتل ، وبعضهم لم يكذب ولم يقتل ، فإن قلت : لم كذبوا بلفظ الماضي ، ويقتلون بلفظ المضارع مع أن الجميع واقع فيما مضى؟ فالجواب من وجوه :
أحدها : قال ابن عرفة : عادتهم يجيبون بأن سبب التكذيب ماض فعبر عنه بالفعل الماضي ؛ لأن سبب التكذيب في المستقبل اعتبارا بسببه ، وأجيب أيضا بأن القتل أمر فعل حربي فأتي فيه بالمضارع تنزيلا للواقع منزلة أن أتى بالمحسوس للتصوير ، والتكذيب به أمر اعتقادي غير حري فلذلك عبر عنه بالماضي.
قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ).
قال ابن عرفة : تكون بالرفع بأن مخففة من الثقيلة ، وبأن ناصبة وقراءة الرفع أبلغ ؛ لأنه يكون مؤكدا بأن.
قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ).
لما اشتملت على عصيان بعضهم بالتكذيب ، وعصيان بعضهم بقتل الرسل وبث الوعيد على أشد الوصفين وهو القتل ؛ لأن الإبصار أمر محسوس فيتعلق بالمحسوس بخلاف التكذيب فإنه أمر معنوي فالمناسب له صفة العلم.
قوله تعالى : [٢٨ / ١٤٠] (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ).
قال ابن عرفة : الظاهر أن هذا داخل تحت الحصر ، وأصله المسيح ابن مريم أمه صديقة فهو من عطف المفردات ، ويحتمل أن يكون من عطف الجمل والظاهر حصرها في الصداقة.
قال ابن عرفة : و (صِدِّيقَةٌ) مبالغة من الصدق أو من التصديق ، ومنه سمي أبو بكر الصديق لتصديقه ، وهذه الصفة لمريم رد على من قال إنها نبية.
ابن عرفة : قال بعضهم : من جهة المعنى أنهم كانوا ينسبونها للنبي فبرأها ولدها بكلامه في المهد فظهر صدقها.
قوله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ).
ابن عرفة : هذا استطراد ؛ لأنهم إنما تكلموا في عيسى ونسبوه إلى الألوهية فلم يتكلموا في مريم بشيء ، فإنه ذكره استطرادا وسبب ذكرها قيام عيسى عليها ، أي كما