وقال قوم آخرون : لو قلت : فإنك أنت الغفور الرحيم دل ذلك على أن عرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى ، وترك التعرض لهذا ... (١) من جميع الوجوه ، انتهى.
قال ابن عطاء الله في لطائف المنى : إن الشيخ أبا العباس قال : إنما عدل عن قوله : فإنك أنت الغفور الرحيم إلى قوله : العزيز الحكيم ؛ لأنه لو قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم لكان شفاعة من عيسى عليهالسلام لهم في المغفرة ، ولا شفاعة في كافر ؛ ولأنه عبد من دون الله فاستحيا من الشفاعة هذه وقد اعتذر عنه ، انتهى.
ابن عرفة : كان الفقيه حازم كاتب المستنصر أمير المؤمنين يرى الوقف على قوله تعالى : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ويهتدي (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لاعتقاده أن (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مستأنف لا جوابا لشرط ، وقال : إنما يكون جوابا لو كان فإنك أنت الغفور الرحيم.
وكان ابن عبد السّلام يستحسنه ، قال : وما قالاه ليس بشيء ولا يصح الوقف إلا بعد الحكيم عندي ؛ لأن (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هو الجواب ، قال : وعندي في ذلك مسألة النحويين من أن حرف الشرط إذا دخل على المستقبل وجب ذكر جوابه بخلاف دخوله على الماضي فإنه يجوز حينئذ ذكره وحذفه ، قلت : على الفقيه حازم أيضا من وجه آخر ، وذلك ؛ لأن حاصل ما يدعيه أن قوله (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) لا يناسب (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) والحق أنه مناسب مناسبة لطيفة تخفى على الأكثر ، ولذلك قال علماء البيان في هذه الآية الكريمة أنها من خفي تشابه الأطراف ، فإن قلت : ما حقيقة تشابه الأطراف؟ قلت : هو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى ، فإن قلت : كيف ختم الكلام في هذه الآية الكريمة بما يناسب أوله في المعنى؟ قلت : قال القزويني في إيضاحه : إن العزيز هو الغالب من قولهم : من عزيز أي من غلب ... (٢) ، والغالب على الحقيقة هو ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه ، والحكيم هو الذي يضع الأشياء في محلها والله تعالى كذلك إلا أنه قد يخفي وجه الحكمة في بعض أفعاله يتوهم بعض الضعفاء أنه خارج عن الحكمة ، وإذا فهمت معنى هذين الصفتين علمت أن الواجب ما عليه التلاوة ، والمتصف بهذين الوصفين هو الذي
__________________
(١) طمس في المخطوطة.
(٢) طمس في المخطوطة.