يغفر لمن يستحق العذاب على الحقيقة فصار الوصفان المذكوران يدلان على معنى لم يدل عليه الغفور الرحيم ، فكأنه يقول : وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم بأحد وجهين :
إما بأن جواب الشرط الثاني محذوف له المعنى أي فإنك إن تغفر لهم فأنت الغفور الرحيم ، وإن قلنا : بأن الشرطين في معنى شرط واحد مركب من جزأين وجوابهما بينهما مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى ، أي إن تغفر لهم أو تغفر لهم فهم عبادك ، وأوردوا عليه أن الشرط لا يحذف جوابه إلا إذا كان فعل الشرط ماضيا ... (١) المستقبل ، فلا ؛ لأنه يؤدي إلى منهيات العامل للعمل وقطعه عنه فيبطل الجواب الأول ويبقى الثاني.
قوله تعالى : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).
قال ابن عرفة : هنا مقامان : مقام التوحيد ، ومقام التكليف لعيسى عليه الصلاة والسّلام غلب مقام التوحيد واعتبره والأمور كلها فيه منسوبة ، فلا فرق بين التعذيب ولا بين المغفرة ؛ لأن الكل عبيده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا حسن ولا قبح باعتبار مقام التكليف من صدق في عمله وطاعته [٢٩ / ١٤٥] انتفع ومن خالفه عذب.
ابن عرفة : وهو المراد بصدق الأعم أو الأخص الذي ذكره ابن التلمساني لما عرف الخبر بأنه الذي يحتمل الصدق والكذب ، قال : فإن قلت : المراد هنا الأخص ؛ لأن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ولا ينعكس.
قال أبو حيان : وقرر صدقهم بالنصب وهو مفعول من أجله.
ابن عرفة : شرط المفعول من أجله أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل يستقيم على مذهب أهل السنة ؛ لأن الأفعال كلها لله ويشكل على مذهب المعتزلة كالزمخشري وغيره ، ولا يصح أن يراد الصدق في الآخرة إذ ليست بدار تكليف ولا في الدنيا ؛ لأن المراد صدقهم في الآخرة فيما يجب به في قوله (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ).
وأجاب ابن عرفة بأن المراد استمرار الصدق ، ونحو قول المنطقيين إن النتيجة ليست عين الكبرى ولا عين الصغرى وحدها ثم أجابوا عنها بأنها عينها ، ورده ابن عرفة بأن الاستمرار في الآخرة وليست دار تكليف ، وأجاب بأن المراد الاستمرار باعتبار تقدم سببه في الدنيا.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.