قيل لابن عرفة : أكنة جمع قلة ، وقلوبهم جمع كثرة ، فكيف يسر القليل الكثير؟ فقال : استعمل جمع القلة هنا من أدائه الكثرة.
قال ابن عرفة : وتقدمنا سؤال وهو أن السمع متقدم في الوجود على الفهم إذ لا يفهم الإنسان الشيء حتى يسمعه ، فقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود.
قيل لابن عرفة : فقد يفهم من لا يسمع وذلك من الكتب ، فقال : الكتب من السمع إلا يرى أن الدلائل السمعية منها مسموع ومنها مكتوب ، وكلها راجعة للسمع ؛ لأن المكتوب يسمع قبل كتبه وحينئذ يكتب ، وتقدم الجواب بما أجيب به في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [سورة البقرة : ١٧] من أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ولا ينعكس ، والمسموع أعم ؛ لأن منه ما يفهم ، ومنه ما لا يفهم ، فلو قدم أولا لكان نفي الفهم عنه تأكيدا ، فلما قيل (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) انتفى عنهم الفهم ، وبقى السمع بلا فهم ، فبقي ثانيا وكان تأسيسا ، قلت : وأجاب بعضهم بأن المراد الفهم بقصد والسمع وصله [٣٠ / ١٤٧] ، والمقصد أشرف من الوسيلة فقدر للاهتمام.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها).
هذا زيادة في التشنيع عليهم بأنهم لا يؤمنون إلا بالمسموع أو بالمرئي ، وعبر بأن الدلالة على الشك وعدم الوقوع ؛ لأن رؤيتهم لكل الآية لم تقع وإنما الواقع رؤيتهم لبعضها ، قال ابن عرفة : وكل هذه كما ذكر النحويون أنها إن ارتفعت تقتضي العموم ، وإن انتصبت لم تعم ، ذكروه في قوله :
قد أصبحت أم الخيار تدعي |
|
علي ذنبا كله لم أصنع |
وقال السكاكي : من البيانين أنها إن دخلت على كلام منفي اقتضت العموم ، وإن دخل المنفي عليها لم تقتضي العموم.
قال ابن عرفة : والصحيح أيضا إن دخلت على أعم كانت كلية فلم تقتضي نحو كل حيوان ، وإن دخلت على شخص كانت تقتضي العموم نحو : كل الرغيف أكلته.
قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا). قال الزمخشري : إما أنه من تمام الأول ، ولو ردوا لقالوا : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [سورة الجاثية : ٢٤] ، وإما أنه قولهم في الآخرة ، فيرجع لقوله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
ابن عرفة : أو استئناف كلام أي واساهم هذا ، فيرجع إلى قولهم في الدنيا.