ابن عرفة : هذا نفي لأحد أقسام الشريعة وهو المباح وإذا انتفى ، انتفى أن يكون واجبا لهم أو مندوبا من باب أحرى ، ويبقى الحرام والمكروه ، هل هو حرام لهم أم لا مكروه؟ لكن إن فسرنا المباح بالمأذون في فعله فنقول إنه لإثبات المكروه بوجه ؛ لأنه غير مأذون في فعله ، وإن فسرناه بالذي لا يترتب على فعله ثم احتمل أن يكون هذا حراما أو مكروها ، فإن قلت : ما أفاد قوله : لكم؟ ، قلنا : أفاد التهييج على المنع من ذلك بأداة الخطاب أي لكم أيها المسلمون الملتزمون لأحكام الشريعة المحمدية.
قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
ابن عرفة : إن أريد بالمعروف المباح ، فالأمر للوجوب وإن أريد الزائد على ذلك فالأمر للندب.
قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ).
ابن عرفة : الفعل الواقع شرطا تارة يأتي غير مصرح فيه بالإرادة مثل : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [سورة النحل : ٩٨] ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [سورة المائدة : ٦] مع أن المراد إذا أردت أن تقرأ القرآن وإذا أردتم القيام للصلاة ، وتارة يأتي مصرحا فيه بالإرادة هكذا الآية فما السر في ذلك؟ ، ثم قال عادتهم يجيبون بأنه إذا كان فعل الشرط مرادا وقوعه شرعا أمر به في صورة الواقع حتى كأنه أراده وفعله ، فإن كان أمر أو عدمه فيؤتى به مسندا إلى إرادة المكلف واستبدال الزوج مكروه مراد عدمه شرطا لحديث : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق (١) " ولذلك عبر في قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ) و (إِذا قُمْتُمْ) بإذا وفي هذه بإن ، فإن قلت : ما أفاد قوله : (مَكانَ زَوْجٍ) والمعنى مفهوم يغني عنه ، قلنا : ذكر ليعاد عليه الضمير في قوله تعالى : (إِحْداهُنَّ قِنْطاراً).
قوله تعالى : (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).
ابن عرفة : الأخذ يكون بأحد ثلاثة أمور إما بأن يضايقها ويضاررها ويستكرهها حتى ترد عليه ما أخذت منه ، وهو السبب في نزول الآية ، وإما بأن يطلب ذلك منها برفق ولين فترد عليه طائعة ، وإما بأن تطوع هي له بذلك من غير سؤال ولا طلب ، فنهوا الأزواج عن أخذ ذلك مطلقا ، وإن كان طوعا على سبيل المبالغة وإلا فمعلوم أنه
__________________
(١) أخرجه أبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ١٨٦٧ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٢٠٠٨ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٣٨٢٩ ، وأبو أمية الطرسوسي في مسنده حديث رقم : ١٤.