أكد المغفرة باللام ولم يؤكد بها سريع العقاب ، لحديث : " سبقت رحمتي غضبي (١) ".
قلت : قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الأسماء الحسنى في الاسم الثالث والأربعين ، وفي كتابه المسمى بقانون التأويل : كنا يوما بمجلس الكوفي في الثغر فتذاكرنا ، فسئل الشيخ أبو بكر بن الفهري والطرطوسي عن الفرق بين قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) بغير لام ، [٣٣ / ١٦١] ، وفي الأعراف (لَسَرِيعُ الْعِقابِ) [سورة الأعراف : ١٦٧] باللام؟ ، فقال الطرطوسي : حكم اللام التأكيد ، وآية الأنعام دخلت أمة محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فيها في الخطاب وهي أمة مرحومة معصومة في الدنيا لا تعاقب إلا في الآخرة فسقطت اللام ، وآية الأعراف خوطب بها بنو إسرائيل وقد عجلت عقوبتهم في الدنيا بالمسخ والخسف فدخلت اللام المؤكدة للخبر.
وأجاب أبو جعفر أحمد بن الزبير بأن آية الأنعام تقدمها (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) وهو خطاب له صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولأمته في الخبر بغير لام التأكيد لكونهم ليسوا بحملتهم ممن استحق عقابا ، ومن عوقب من أهل القبلة فعقابه منقطع بفضل الله عزوجل ، وآية الأعراف قبلها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [سورة الأعراف : ١٦٧] فهي لبني إسرائيل مفضحة بكفرهم وعنادهم ؛ فجاءت اللام مؤكدة للجنس المبين بعقابهم كلهم دائما وسوء ما لهم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٧٠٢٤ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٤٩٤٤ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٨٧٥٩ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ١٠٧٦ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٦٢٤٧ ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه حديث رقم : ٢٨١٤.