قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
الإضراب للانتقال من الذم ، وأخص الأوصاف إلى الذم بأعيانها وهو أبلغ ؛ لأن الشاهد بأنه رأى فلان في وقت كذا يشرب الخمر قد يعرض لخبره التكذيب بشاهد آخر يشهد بأنه رآه في ذلك الوقت بعينه غير شارب الخمر ، والشاهد بأن فلانا فاسق أو شارب خمر بالإطلاق ؛ خبره أقرب إلى الصحة.
قوله تعالى : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ).
إن قلت : لم عبر في الأول بالمصدر وفي الثاني بالاسم؟ فالجواب بثلاثة أوجه :
الأول : أنه من حذف التقابل ؛ أي أوفوا الكيل بالمكيال والوزن بالميزان.
الثاني : أن البخس الغالب أن يكون في الكيل والميزان لا في الوزن.
الثالث : أن الوفاء من جهة المكيال أن يفعل في الكيل لا في المكيال والوفاء من جهة [٣٤ / ١٦٧] الميزان أن يكون فيه لا في الوزن.
قوله تعالى : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ).
أخذ منه بعض الموثقين أن من أحدث حفرة بإزاء دار فإنه يمنع ولو لم يضر بها لأنه يبخس من ثمنها.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ).
إن كان شرطا في الأمر دل على أن الكفار غير مخاطبين.
قوله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ).
إن قلت : لا يلزم من النهي من الكل النهي عن البعض ، قلت : قد تقدم أن ليس كل من أسرار الجزئية السابقة ، و (إِنْ) دلالتها على سبيل الحكم من الكل مطابقة ، وعن البعض التزام ، فإن قلت : لأي شيء عدل عن الأمثل؟ قلت للتشنيع عليهم ، وأنهم كانوا يقعدون بكل صراط يوعدون ؛ (وَتَصُدُّونَ :) أي توعدون من لا حكم لكم عليه ولا سلطان ، وتصدون من ينقاد لكم ويطبع أمركم ، وتبتغون عوجا لمن يطالبكم بالدليل ، وتعلمون أن له نظرا واعتبارا وتأملا ، وهو إشارة إلى اختلاف حالهم باعتبار من يصدونه ممن لا علم عنده ولا فطنة يكتفون فيه بالصد والتوعد ، ومن له بعض ممارسة يظهرون له اعوجاجا ؛ فاصبروا على أن الخطاب للفريقين يكون وعدا للمؤمنين ووعيدا للكافرين ، وتكون صيغة أفعل حينئذ مشتركة بين التهديد والإشارة.
قوله تعالى : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا).