قال ابن عرفة : قالوا : إذا جواب وجزاء ، وحكوا إن الجواب لازم لها وقد يجاء معه بقد ولا ، ومثلوا كونها جزاء فقط بقوله تعالى : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [سورة الشعراء : ٢٠] لأن النعمة لا تجازى بالضلال ، ابن عرفة : ويحتمل أن يراد بالقتل القتل مجازا ، أما الضلال قال : وقد تكون عندي جزاء فقط من غير جواب ، ومثاله قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة الإسراء : ٧٦].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ).
ابن عرفة : كان بعضهم يقول : يؤخذ منها أنه ينبغي لكل من يريد أمرا أن يستحضر عواقبه وغوائله وما ينويه فيستعد لها قال : وإنما خذوا الحذر ؛ لأن الحذر مختلف فكل واحد يأخذ حذرا يلائمه فهو بحسب الأمر المحذور منه فمن سافر مع جماعة قليلة والخطاب للمؤمنين من الصحابة بالمواجهة ولمن بعدهم ، إما بقياس لا فارق وإما بأنه خطاب للجميع ، قال ابن العربي : وهذه الآية مخصوصة بقوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [سورة التوبة : ١٢٢] ، فإن قلت : لم أعاد الفعل ، وهلا قال : (انْفِرُوا جَمِيعاً) ، فالجواب : إن النفور مختلف بالجماعة المجتمعون الكثيرون يقل خوفهم ، والجماعة المفترقون يعظم خوفهم والحرس هنا أشد ، فلذلك أعاد الفعل قال : وتقدم الخلاف في المنافقين هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ والتحقيق أنهم مخاطبون بالفروع ، فالمخاطبون ظاهرا وباطنا وإلا فهم مخاطبون فقط.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) التوكيد بإن ؛ لأن هذا الفعل مما اتصف بالإيمان مستبعدا لوقوع فهو غريب عند المخاطب ، قوله تعالى : (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) ابن عرفة : فعل القسم إذا وقع في الصلة فالعائد إن كان ضمير الله لم يجز ، فإن قدرته لمن أقسم بالله ليبطئن صح ذلك وإن قدرته لمن أقسم بالله ليبطئن لم يصح ؛ لأن جملة القسم خلت من الضمير العائد على الموصول.
قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) ابن عرفة : هذه عندي متصلة بالأولى وكذلك كان بعضهم يقول تقديره (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) ، قال : وإنما أخره ؛ لأن الشيء قد يؤتى به في غير موضعه لكونه أغفل في موضعه ، ثم استدرك في غير موضعه تعظيما له واعتناء بذكره حتى كأنه لم يغفل بوجه.