[.....]
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ).
ابن عرفة : هذا تخصيص لا نسخ ، ويؤخذ من قول عبد الله ابن أم مكتوم الآية مع نزول الآية بسبب ما قال ، وإقراره على ذلك أن الجمع المحلى بالإلف واللام يفيد العموم.
قيل لابن عرفة : في هذا تأخير البيان عن وقت الحاجة ؛ لأن الاستثناء لقوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إنما نزل بعد الأول ، فقال ابن عرفة : كان ذلك في مجلس واحد ، وقال مالك رحمهالله في المحرم : إذا لبس المخيط ، ثم لبس مخيطا آخر ، ثم آخر في [...] إنما عليه فدية واحدة بخلاف ما لو لبس الثاني بعد الأول بزمان في وقت آخر فإن عليه فديتين وكذلك [٢٥ / ١٢٤] قال : إذ أدبر عبدا ثم عبدا ثم عبدا في مجلس واحد أنهم يحاصون في الثلث ولو دبر الأول ثم دبر الثاني في موطن آخر لكان الأول مبتدأ على الثاني ، وقال ابن عرفة : وقال الفخر في قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [سورة الحشر : ٢٠] إما حجة على أن المسلم لا يقتل بالكافر ، قال : احتج بها الشافعي ورده الفخر بأن التسوية أعم ، والأعم لا إشعار له بالأخص ، وأجاب سراج الدين الآمدي بأن نفي الأعم أخص من نفي الأخص ، ابن عرفة : وكذلك نقول هنا : إن نفي المساواة بينهما لا يقتضي التفضيل بل يحتمل التساوي ، قال وقوله : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) واستثنى من الحكم أو من لازم الحكم ونظيره أن يقول : لا يستوي الرجل الصالح والرجل الطالح ، ويقول : قام القوم إلا زيدا ، فهل معناه أنه لم يقم أو أنه مسكوت عنه لم يتعرض له بشيء فيحتمل القيام وعدمه فكذلك (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إن كان مستثنى من القاعدين فهو يحتمل ، وإن كان مستثنى من المعنى وهو الحكم بالمرجوحية والذم اقتضاء عدم ذمهم ، وإنه لا مرجوحية فيهم ، قال : وتقديم الأموال على الأنفس ترق ؛ لأن حفظ النفوس آكد من حفظ الأموال والمجاهدة بها أشد من المجاهدة بالمال ، ولأن المجاهدة بالنفوس عامة في الغني والفقير بخلاف الجهاد بالمال.
قوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ).
يريد القاعدين غير أولي الضرر ، وقوله تعالى : (دَرَجاتٍ) يريد على القاعدين غير أولي الضرر.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ).