استقلال كل واحد منهما بالفعل ، واستغنائه به عن صاحبه من غير تبعية ، فكرر النداء هنا اعتناء بهذا [٢٧ / ١٣٢] الحكم وتعظيما له.
قوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ).
ابن عرفة : إما أن يريد لا تجعلوها حلالا ، أو يريد لا تفعلوا فيها ما يفعل في الحلال ، فالأول يتناول من يفعلها مستحلا لها معتقدا لحليتها فهو كافر ، والثاني يتناول عصاة المؤمنين ، وفي مثله قال الشيوخ في قول مالك ـ رحمهالله ـ في المدونة في كتاب الفرائض : ولا أحب معارضة من يستحل الحرام أو من لا يعرف الحلال من الحرام ، قالوا : معناه من يفعل الحرام كونه حلال مثل سائر العصاة ؛ لأنه يعتقد أنه حلال فإن ذلك كافر.
ابن عرفة : قالوا : وهل في الآية اللف والنشر أم لا على مذهب السكاكي ففيها النشر واللف بالانتقال عن الخطاب المعنوي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى الغيبة ، بقوله (شَعائِرَ اللهِ) ولم يقل : شعائرنا ، وإما على مذهب غيره فليس بلف ولا نشر ، ووجه اللف والنشر فيها أن اسم الجلالة فيه تعظيم للشعائر وتفخيم لها بخلاف ما لو قال : شعائرنا.
قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ).
قال ابن عرفة : اختلفوا فيمن حلف أنه يصوم الأشهر الحرم ، فقيل : تجزئة صومها من عام واحد ، وقيل : لا يصومها إلا من عامين عملا بقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع : " السنة اثنا عشر شهرا أربعة حرم : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب" (١) انظر فبدأ بذي القعدة فدل على اعتبار كونها في سنتين.
قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ).
إن أريد بالهدي (٢) العموم ؛ لأن منه ما يقلد وما لا يقلد ، فالإبل والبقر تقلد بلا خلاف ، والغنم عندنا لا تقلد ، وعند غيرنا تقلد فيكون من عطف الخاص على العام ،
__________________
(١) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ٣ / ١٣٠٥ ، البخاري في صحيحه ٣ / ١١٦٨ ، وابن حبان في صحيحه ١٣ / ٣١٣ ، والبيهقي في سننه الكبرى ٥ / ١٦٥ ، وأبو داود في سننه ٢ / ١٩٥ ، والنسائي في سننه الكبرى ٢ / ٤٦٩ ، وأحمد في مسنده ٥ / ٣٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٣ / ٢٦٨. وقال : رواه البزار وفيه أشعث بن سوار وهو ضعيف ، وقد وثق.
(٢) الهدي : هو القربان أو الذبائح. القاموس المحيط مادة : (ه د ي) ، لسان العرب (ه د ي).