وقيل : (الْقَلائِدَ) ما يتقلد من الثياب من خرج من الحل برسم الحاج علامة على إحرامه ، وقيل : ما يتقلد به من خرج من الحرم في حوائجه من ثياب الحرم.
ابن عرفة : فإن قلت : كيف يتقلد بثياب الحرم وقد قال في الحديث في مكة : أنها حرام لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها؟ ، فالجواب : أنه يتقلد بما نبت فيه من الريح لا بما ينبت بنفسه.
قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ).
ابن عرفة : الألف واللام للعهد للبيت هو إما عهد سابق في الزمن ، أو عهد معلوم بالسياق ، وسميت حراما إما لحرمة بانيها ، أو تعظيمه إياها ، وإما لأنها في الحرم مع أن الحرم إنما سمي حرما لأجلها ، قال : وعظم البيت هنا محصل قصد الحاج ، وقال في الحديث : معظم" الحج عرفة" (١) وهذه الآية اقتضت أن معظمه البيت الحرام ، فأجاب بوجهين وباعتبارين : معرفة معظم الحج من ناحية أن له زمنا معينا يفوت بفواته ، والبيت معظمه لأجل الطواف به دائما ، ولأجل أن من مرض في الحج لأجله إلا البيت ، ولأجل أنه يقصد في الحج والعمرة فله عبادتان بخلاف عرفة.
قوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).
وقال في سورة الفتح (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) [سورة الفتح : ٢٩] وأجاب ابن عرفة : بأن تلك في الصحابة ، وكانت عبادتهم لله تعالى لذاته ومجرد جلاله وعظمته ، وهذه الآية خاصة في المؤمنين وعبادتهم في الأكثر إنما هي للثواب والنجاة من العقاب ، فعبادتهم لابتغاء الفضل والرحمة من ربهم فناسب لفظ الرب ، قال أبو حيان : و (يَبْتَغُونَ) صفة ل (آمِّينَ ، الْبَيْتَ) مفعول به ، فأورد أن اسم الفاعل إذا وصف لا يعمل ، وأجيب بأن ذلك إذا وصف قبل العمل ، وهنا إنما وصف بعد العمل.
ابن عرفة : وقال بعضهم : إذا وصفه بعد العمل يتم عمله فيما قبل ، ولا يصح عمله بعد ذلك في شيء آخر ، قال أبو حيان : فرده المختصر مذهب الكسائي.
__________________
(١) أخرجه الحاكم في مستدركه ١ / ٦٣٥ ، ٢ / ٣٠٥ ، والترمذي في سننه ٣ / ٢٣٧ ، والبيهقي في سننه الكبرى ٥ / ١٧٣ ، والنسائي في سننه الكبرى ٢ / ٤٢٤ ، وابن ماجة في سننه ٢ / ١٠٠٣ ، وأحمد في مسنده ٤ / ٣٠٩ ، والطيالسي في مسنده ١ / ١٨٥ ، والترمذي في علله ١ / ٧٥٩.