سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء من الأضعاف مما لا يعلمه إلا الله على حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ، ومن أجل ذلك تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب (وَاللهُ واسِعٌ) أي : غنيّ يعطي عن سعة (عَلِيمٌ) بنية المنفق وقدر إنفاقه وبمن يستحق المضاعفة.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : طاعته ، قال الكلبيّ : نزلت في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما ، جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف وأربعة آلاف أقرضتها ربي ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» (١) وأمّا عثمان فجهز المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وألف دينار.
قال عبد الرحمن بن سمرة جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر النبيّ صلىاللهعليهوسلم فرأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول : «ما ضرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم وقال : يا رب عثمان رضيت عنه فارض عنه» (٢).
(ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا) أي : على المنفق عليه بقولهم مثلا : قد أحسنت إليه وجبرت حاله ، فيعدّدون عليه النعمة ، فحذر الله عباده المن بالصنيعة ، واختص به صفة لنفسه ؛ لأنه من العباد تعيير وتكدير ومن الله إفضال وتذكير وكان السلف يقولون : إذا صنعتم صنيعة فانسوها ، والعرب يمتدحون بترك المن ويذمون عليه فمن الأوّل قول القائل :
زاد معروفك عندي عظما |
|
أنه عندك مستور حقير |
تتناساه كأن لم تأته |
|
وهو في العالم مشهور كبير |
ومن الثاني قول القائل
وإنّ امرأ أسدى إليّ صنيعة |
|
وذكرنيها مرّة لبخيل |
وقيل : طعم الآلاء أحلى من المنّ ، وهي أمر من الآلاء مع المنّ ، ويطلق المنّ أيضا على النعمة ، يقال : لفلان عليّ منة أي : نعمة وأنشد ابن الأنباري :
فمني علينا بالسلام فإنما |
|
كلامك ياقوت ودرّ منظم |
وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) [آل عمران ، ١٦٤] الآية (وَلا أَذىً) له كأن يذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ، أو يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه ، وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أي : ثواب إنفاقهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي : فلا يخافون فقد أجورهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة بسبب أن لا يوجد.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي : كلام حسن وردّ على السائل جميل ، لأنّ القول الجميل وإن كان يردّ السائل يفرح قلبه ، ويروح روحه وقيل : عدة حسنة (وَمَغْفِرَةٌ) أي : بأن يستر عليه خلته ولا يهتك ستره ، ويتجاوز عنه إذا وجد منه ما ينقل عليه عند ردّه (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) يدفعها إليه (يَتْبَعُها أَذىً) أي : منّ وتعيير السائل أو قول يؤذيه.
__________________
(١) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٣٢ ، وابن حجر في فتح الباري ٨ / ٣٣٢ ، والسيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٦٢.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ٣ / ٣٠٦.